ترامب في عيون الصين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٨/يناير/٢٠١٧ ٠٦:٣٠ ص
ترامب في عيون الصين

جيفري واسرستروم

عندما فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، حظي بالكثير من المعجبين الصينيين ولكن شهدت شعبية ترامب تراجعًا، بسبب تصريحاته - التي كان أغلبها من خلال موقع تويتر- حول قضايا مثيرة للخلاف، مثل قضية تايوان وبحر الصين الجنوبي وهذه ليست المرة الأولى التي تسوء فيها نظرة الصين لرئيس أمريكي بهذه السرعة.

يُذكِرّنا هذا التغيير المفاجئ في موقف الصين تجاه ترامب بما حدث مع الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بعد إعادة انتخابه قبل قرن من الزمان. كان الكثير من المفكرين الصينيين في ذلك الوقت، بمن فيهم ماو تسي تونغ الشاب، معجبين بويلسون، وهو أحد علماء السياسة والرئيس السابق لجامعة برينستون وفي العام 1919 أيَّد ويلسون معاهدة فرساي، والتي نقلت السيطرة على المقاطعات الألمانية السابقة في إقليم شاندونج إلى اليابان بدلًا من إرجاعها إلى الصين وسرعان ما فقد ويلسون بعد ذلك حظوته عند الصين.
كان ذلك التحول مشابهًا لما يحدث الآن، ولكن الأسباب كانت مختلفة تماماً فقد كانت الصين منذ قرنٍ مضى مُضطرة بسبب ضعف موقفها إلى تأييد ويلسون أول الأمر، ثم إلى النفور منه. أما اليوم، فموقف الصين القوي هو الذي يرسم ملامح نظرتها للرئيس الأمريكي.
ففي العام 1916 الذي انتُخِب فيه ويلسون لفترة رئاسية ثانية، كانت الصين تشهد وضعًا حرجًا فبينما كان من المفترض أن تكون جمهورية الصين التي تم تأسيسها العام 1912 كيانًا واحدًا، شهدت الأراضي الصينية تفككا كبيرا إذ سيطر القادة العسكريون الأقوياء على مناطق مختلفة في الصين، في الوقت الذي سيطرت فيه القوى الأجنبية - من خلال الرشوة والترهيب باستخدام القوة على مساحات كبيرة من الأراضي الصينية. بالنسبة للمفكرين الصينيين قدم ويلسون بديلا تنويريا مغايرا لأمراء الحرب العدوانيين..
وزادت حُظوة ويلسون لدى الصين بعد ذلك بدرجة تفوق الوصف وفي العام 1918 ارتفعت شعبية ويلسون - ليس في الصين فحسب - وذلك عقب رسالته إلى الكونجرس التي دعت إلى «حق تقرير المصير» القومي وبعد أن غُضَّ الطرف عن تأييد ويلسون لنظام التمييز العنصري «جيم كرو» في الولايات المتحدة وتأييده لغزو هايتي الذي تم على يديه، تعاطف المفكرون في البلدان التي عاث فيها الاستعمار الإمبريالي فسادًا من مصر إلى كوريا مع إعلان ويلسون، واعتبروه مخَلِّصًا للمضطَهَدين ونصيرًا لهم..
تمنى الوطنيون الصينيون على وجه الخصوص أن يزداد انخراط أمريكا - أثناء حكم ويلسون - في شؤون آسيا على نحوٍ يساعد في حماية الصين من الوقوع في براثن اليابان الإمبريالية ثم مثَّل دعم ويلسون لمعاهدة فرساي بالنسبة لأولئك الوطنيين خيانة شديدة.
يختلف وضع الصين في العام 2016 اختلافًا كبيرًا عن وضعها في العام 1916 فقد حققت الصين قفزات واسعة في هرمية الاقتصاد العالمي، جعلتها تتخطى حتى البلدان المتطورة. كما أنها الآن كيان موحَّد تحت قيادة قوية وأصبحت دولة كبيرة جدًا، تضم تحت لوائها جميع الأراضي التي كانت جزءًا من إمبراطورية تشينغ في أوج مجدها. ولا يُستثني من ذلك سوى تايوان، إلا أن الخيال الدبلوماسي لمبدأ «الصين الواحدة» لا يزال يعتقد أنه بطريقة أو بأخرى ستتم إعادة دمج الجزيرة الديمقراطية بالبر الصيني السلطوي.
وباختصار لم تعد الصين بحاجة لحماية الولايات المتحدة الأمريكية بل تريد الصين بدلًا من ذلك رئيسًا أمريكيًا تشغله القضايا الداخلية بدرجة كبيرة، ولا يهتم كثيرًا بتقييد صعود الصين كما كان عليه الحال مع الرئيس باراك أوباما وبتلك الطريقة قد تتمكن الصين من العمل على إعادة تشكيل علاقات القوى في آسيا على نحو يصب في مصلحتها، من دون أن تضطر إلى القلق من التدخل الأمريكي.
قبل إجراء الانتخابات الأمريكية، كان ترامب معروفا بتوجيهه اتهامات قاسية إلى الصين، فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية كالتجارة ولكن عدم اهتمامه الواضح بالسياسة الخارجية أسال لعاب القادة الصينيين فقد بدا ترامب أكثر ميلًا إلى عدم اعتراض طريق الصين من خصمه في الانتخابات، هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة. انشرحت قلوب القوميين الصينيين لتلميح ترامب بأنه سيكون أقل ممن سبقه التزامًا بدعم حلفاء الولايات المتحدة المألوفين في آسيا، مثل كوريا الجنوبية واليابان، بنفس القدر الذي انشرح به قلب الرئيس فلاديمير بوتن لتشكيك ترامب في التزامات أمريكا تجاه منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو.
وقد كسب ترامب، مثله في ذلك مثل ويلسون، بعض المشجعين من خلال شخصيته التي تعد غير مألوفة بالنسبة إلى شخصيات رجال السياسة وليس ترامب بالطبع من المولعين بالقراءة والمطالعة، ولكن الكثير من الناس راق لهم أنه على ما يبدو يصرح (أو يغرِّد) بكل ما يشعر به، فأصبح بذلك يقدم «أسلوبًا صريحًا في الحديث» يتعارض بشدة مع أساليب رجال السياسة الأكثر براعة على الساحة، بما في ذلك الرئيس «تشي جينبينغ» الذي يحسب حساب كل كلمة يقولها.
لقد أججت رغبة مماثلة في «المصداقية» شعبية أحد المسؤولين الأمريكيين الآخرين -بالرغم من أن ذلك كان بأسلوب مختلف تماما- وهو «غاري لوك»، الذي أصبح سفير الولايات المتحدة في الصين العام 2011. أثارت الصور الفوتوغرافية التي ظهر فيها «لوك» وهو يحمل حقيبة ظهره الصغيرة ويبتاع القهوة في مقهى ستاربكس- وهي من التصرفات التي قد يتحرج كبار المسؤولين الصينيين منها - أثارت عددًا كبيرًا من التعليقات على شبكة الإنترنت، والتي احتفت بـ»لوك» باعتباره موظفًا حكوميًا فاضلًا. وتساءل معجبوه عن مدى اختلاف أمريكا عن الصين، حيث إن تنعَّم المسؤولين الفاسدين وذرياتهم المُدلَّلة في الحياة الرغدة يُذكِرّهم بما كانت تفعله الأُسر الإمبراطورية في عصور السلالات الحاكمة.
من الصعب على المرء أن يتخيل أن هذا الاختلاف الواضح بين الولايات المتحدة والصين له أي تأثير في الوقت الحالي، حيث يتواصل ظهور صور منزل ترامب الفاخر في منهاتن والحفلات في نادي «مار - آلاجو» الفاخر ورغم أن أسلوب التواصل الذي يستخدمه ترامب مُلفت للأنظار، وخاصة حينما نقارنه بأسلوب الرئيس «تشي»، فإنه يصبح أقل جاذبية حينما يكون المرء موضع تعليقاته الحادة حول مواضيع حساسة وكما كانت الصين أثناء ضعفها غير قادرة على الاعتماد على حماية ويلسون، فلن تكون أثناء قوتها قادرة على ضمان أن ترامب لن يقف في طريقها- على الأقل ليس من دون أن يحاول بطريقة أو بأخرى.

أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا في إيرفين ومحرر «أكسفورد المصور في تاريخ الصين الحديث» ومؤلف كتاب «ثمانية تجاورات: الصين من خلال مقارنات ناقصة من مارك توين إلى مانشوك».