الكذب الحلال

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٢١ ص
الكذب الحلال

لميس ضيف
عانت معلمة أمريكية، في قرية فقيرة، من الطلبة المشاكسين والمتمرّدين، الذين أحالوا حياة المعلمين جحيماً. فعزلوهم في فصل واحد، ومكنوا منهم أساتذة صارمين، ولكنهم لم يفلحوا معهم. فطلب عالم نفس من جامعة أمريكية فرصة لترويضهم وتطبيق تجربة نفسية عليهم، ووافقت المدرسة. جاءت لجنة من 4 علماء، وأجرت اختبارات على المدرسة كلها "بما فيها صف المشاغبين" وخرجت بنتيجة مفادها أن هذا الصف صف عباقرة يملكون قدرات ذهنية فذة؛ ورشحتهم لخوض مسابقة على مستوى الولايات المتحدة تمكنهم من الفوز بجائزة كبرى، ومقابلة الرئيس الأمريكي.
دهشة المشاغبين كانت كبيرة، ودهشة أقرانهم كذلك. وقد كان هذا الكشف نقطة تحوّل في حياتهم، إذ تغيّرت رؤيتهم لأنفسهم، فصاروا أكثر ثقة بقدراتهم فتضاءلت مشاكلهم، وزاد اجتهادهم، وكنتيجة حصلوا على نتائج عالية في العام الدراسي، وتفوقوا على غيرهم، وأنفسهم أيضاً.
على صعيد آخر رأى بعضكم الفيديو الذي نُشر في العام الفائت لصحفي بريطاني، يسأل الأطفال في شوارع لندن عشوائياً عن أكثر ما يكرهون أن يناديهم به أهلهم، فكانت "يا غبي، أنت مشاغب، أنت شقي"، الكلمات التي عبّر الأطفال عن كرههم لها. فمهما احتاج الطفل للتكرار لا يعني ذلك بالضرورة أنه غبي أو عنيد. لكن مثل هذه التقولات تُلقي بظلالها على نفسه وتحط من قدره وتقولب رأيه حول نفسه.
إننا اليوم ما نعتقده عن أنفسنا. صورة عن رأينا ورأي الآخرين بنا، وعادة ما نحافظ على هذه الصورة – بخيرها أو شرها – لأننا مقتنعون بها. لقد أقنعنا المجتمع بأن الثراء للبسطاء صعب، وزواج فتاة متوسطة الجمال من وسيم أمر صعب، وأن الدراسة في الخارج صعبة للفتاة، وأننا لا نستطيع أن نجاري الأجانب في ألمعيتهم.
ونحن نمارس اليوم ذات الأدوار التي مورست بحقنا. فلا نقنع أطفالنا بأنهم عباقرة ولا موهوبين، ولا نمارس عليهم "الكذب الحلال" لنقنعهم بحسنهم وخفة ظلهم، وكم هم محبوبون وموهوبون. ولا نهمل تضخيم ثقتهم بنفسهم فقط، بل نمقت الثقة بالنفس عندما نلمحها في أحد منهم، ظناً بأنها مهلكة لهم ودافع للتمرّد. ونتخذ من تربية الخوف في نفوس صغارنا مهنة! فالطفل في سنين عمره الأولى لا يخاف إلا من الجوع والوحدة، ونحن من نعلِّمه أن يخاف من الظلام ويخاف من المرتفعات ويخاف من الحركة ومن الغرباء. نفعل ذلك حماية لهم – بلى – ولكن الواقع هو أننا مطالبون بتعليمهم الحذر لا الخوف، والحرص مع الشجاعة.
(تخيّل نجاحك .. وستنجح)
قاعدة نحتاج أن نطبقها على أنفسنا وسوانا، لنتحوّل للأشخاص الذين نتمنى أن نكونهم.