من المحفوظات القديمة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
من المحفوظات القديمة

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

قبل نحو عشرين عامًا أو أكثر كنت أتسامر مع أحد رفاق السهر في العمل الصحفي فيأتي بالشعر من مخزون ذاكرته الثري، نقطع بجمال البيان وعذوبته ساعات الانتظار ليلًا لخبر تأخر، أو صفحة أخيرة ارتبكت خطواتها لتصل إلى المطبعة، بما يأذن لرحيلنا في وقت لم تكن فيه تقنيات الطباعة كما عليه حالها اليوم.
من ضمن القصائد التي حفظتها من محفوظات ذلك الصديق واحدة تجمع الحكاية بالشعر ومعهما المتعة والطرافة كما في قصائد عربية كثيرة، عرفها الأوائل وتناقلتها كتب التراث كجانب حاضر في المجتمعات رغم ما يطالب به الشعر عادة، ولنا في عمر بن أبي ربيعة وأبي نواس وبشار بن برد وغيرهم ما لا يحصى من المواقف المنقولة شعرًا.
ولأني وجدت نفسي أردد بيتًا في تلك القصيدة بدا لي مكسورًا كما فعلت الذاكرة بكلمة منه غيبتها، فسألت العم "جوجل" عن هذه القصيدة، فأجابني بما أدهشني كثيرًا، أن القصيدة مغنّاة بصوت أكثر من مطرب، وعندما سمعتها بصوت نجيب السراج بدا لي اللحن بديعًا كأنه قادم من زمن أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ووجدتها بنغم خليجي مميّز قدمه الفنان إبراهيم الخشرم.
القصيدة كتبها الشاعر اللبناني وديع عقل، ومطلعها:
شكتني ثريا إلى والديَّا
وقالت فتاكم تجنى عليَّا
حسا الخمر حتى استطارت
هداه فشد وألوى على ناهديَّا
وبالرغم مني ترضب ثغري
وطوق نحري ولاكَ المحيَّا
قصة قد يتوقف الرقيب أمامها في زمننا كثيرًا، فالمشهد فوق حُلميّته يقترب من "محظورات" الاقتراب من الجسد، ولو عبر مفردات يدرسها طلبة العلوم والطب، إنما في زمن الحساسيات تجاه الجانب الجسدي تصبح الرقابة حازمة خشية على الناس من ذكر هذه المفاتن، بما يسبب الفتن (الإباحية) حيث تنعدم أي "مسالك" أخرى تثير البلبلة في عصرنا، وبقي الخيال الأدبي وحده قادرًا على إثارة المراهقة، المتقدمة والمتأخرة!
تمضي القصيدة في مشهدها التصاعدي، إلى أن يقول:
وظلت ثريا تغالي وتبكي
فهاج بكاها بكا والديَّا
وفاوض أمي أبي في فتاها
وقال إلام تماديه غيَّا
إلى أن جاء رد الأم، العاكس طرافة (غريبة) حيث سوء تصرف بطل الحكاية راجع إلى الخمر، وستقوم الأم بإفاقته منها:
وأمتص من فيه خمراً حساها
فيصحو من السكر شيئاً فشيا
وحينها تصل الحكاية/ القصيدة إلى لحظة الحسم/ الدهشة:
فقالت ثريا إذا كان هذا
الدواء دواه كليه إليَّا
أنا بامتصاص المراشف أدرى
وما اعتاد فوه سوى شفتيَّا
ولا أقول سوى.. لا فضّ فوك أيتها الشاكية!