خط ساخن لحماية الطفولة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
خط ساخن لحماية الطفولة

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

أكاد أجزم بأن ثمة فرق بين مفردتي الأطفال والطفولة.
هناك كيان بشري يطلق عليه "طفل"، وهناك مرحلة يعبرها هذا الكائن، تدعى "الطفولة"،
وأكثر ما أتوجس منه هو أن هذا الطفل أكبر منّا، وهذه الطفولة تجاوزتنا، وأشدد على الصعيد المعرفي، ليس ذلك المتعلق بالإيجابي وحده حينما نقول المعرفة، بل ما هو أبعد وأخطر.
حسنا فعلت الجهة الرسمية حينما وضعت الرقم الساخن (بسيط الحفظ: 1100) للإبلاغ عن أي عنف يمارسه (أحمق أو جاهل أو مريض نفسي) ضد أي طفل، وغالبا ما يكون فلذة كبده، تحت تأثيرات شتى، ليس (أقبحها) الانتقام من الأم، زوجة كانت أو مطلقة أصبحت.
حماية الأطفال، والطفولة، على قدر هائل من الأهمية، لأن بناء الشخصية مكوّنه الأساسي من التنشئة الأولى، وباقي العمر ارتداد إلى تلك المرحلة، وهي على صغرها إن حسبت بمتوسط العمر البشري إلا أنها "الأساس" الذي لا يستقيم البناء إلا به، فإن كان هشا انهار كل شيء، أو بقي عرضة للزوابع والعواصف تحركه كيفما تشاء.
يردد البعض أن الجيل السابق تعرض لكل أنواع الضرب و(الإهانات) ولم ينشأ معقدا كما نخشى على أطفال اليوم من ترسبات تكرار مثل تلك التربية القاسية/ القاصمة.. وأراه كلاما يجانبه الصواب، فهناك العقد النفسية المتكاثرة في مجتمعنا، وليس شرطا أن تصل العقدة إلى مستوى المرض، فهناك أعراض شتى من بينها التردد والخوف وغياب المبادرة وسوء التخطيط والتخبط في اتخاذ القرارات المناسبة، عدا سوء التعامل مع بنية العمل والأصدقاء والأسرة، وصولا إلى تربية الأطفال بصورة سليمة لا تحتاج إلى عصا الأب بمقدار ما يعوزها الفكر التربوي السليم المبني على التوجيه والرعاية وإدارة الأزمات داخل البيت بحيث لا يتحول "الحل" إلى ركل وصراخ وشتائم.
والأهم، وصولا إلى لحظة التعاطي مع كلمة "طلاق"، ففي الغرب نسمع عن اتفاق زوجين أن يظلا أصدقاء من أجل أبنائهم وتربيتهم المشتركة، وفي عالمنا (العربي والخليجي) فإن الطرفين يتحولان إلى عدوين لدودين، توحدهما المشاكل، وتفرقهما المحاكم، ويصبح الأبناء جزءا من الحرب المستعرة، يدفعون ثمن الرصاص المتبادل بين الأب والأم، وكذلك الأعصاب المشدودة، باعتبار أن الطفل يذكر أحد المتحاربين بالآخر.. وبالفشل ومرارة العيش.
هذه النتائج على "عقد نفسية" متوارثة، وأكرر أنها لا تبدو بالضرورة مرضا نفسيا يستوجب دخول المصحات، مع أن كثر يحتاجون إلى جلسات "تصفية" للشوائب (والمسماة بالمكبوتات) من دواخلهم لتبدو الحياة أمام أعينهم أصفى.. وأنقى.
دائرة الحماية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية سجلت عام 2015 نحو 100 حالة، ارتفعت إلى 299 العام التالي، أي بنحو ثلاثة أضعاف، وهناك عشرات الأضعاف بقيت قيد الكتمان، لم يبلغ عنها، أي أننا أمام آلاف الحالات من الإساءة للأطفال، وهذه الكلمة تتعدى حدود الضرب من أجل التربية، إلى جرائم حقيقية تبقى بلا رادع، وسط مخاوف أسرية واجتماعية وقبائلية تبتغي الستر في مجتمع يريد أن يخفي ضحاياه خلف ستار العادات والتقاليد.
بعد وضع الخط الساخن 1100 سنعرف إلى أين يقود الرقم خلال العام الجاري، وكيف يمكنه من اختراق "جبهات" منيعة داخل الأسر.