اليمن إلى أين هذه المرة؟!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/يناير/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
اليمن إلى أين هذه المرة؟!

علي ناجي الرعوي

سؤال يكتسي مشروعيته في ظل التطورات الحربية والعسكرية الدراماتيكية التي يشهدها اليمن هذه الأيام، والتي تحولت معها البلاد الى ساحة قتال مفتوحة لا أحد معني بها بعد تعثر اجتماع لجنة التهدئة والتنسيق في العاصمة الأردنية عمّان وتراجع فرص نجاح (خطة كيري) وانكماش المسار الدبلوماسي لمجموعة (الرباعية) الخاصة باليمن والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات العربية، مما يعطي مؤشراً إلى أن الوضع في اليمن بات يتأثر بثلاثة عوامل في غاية الأهمية: الأول يتعلق بتباعد تصورات الأطراف الداخلية لجوانب الحل والتسوية السياسية.. والثاني يرتبط بضعف وتدني دور الأمم المتحدة حيال الأزمة اليمنية وعدم امتلاك هذه المنظمة لرؤية حقيقية تساعد على كسر حاجز الانسداد السياسي ودفع الافرقاء الى تغليب منطق السلام على لغة الحرب.. أما العامل الثالث فإنه الذي يتصل ربما برغبة (التحالف العربي) في الاستمرار بالخيار العسكري حتى إنجاز الأهداف التي اقتضت منه التدخل في اليمن، ولذلك فهو الذي يأمل تحقيق تلك الأهداف من خلال تكثيف عملياتها العسكرية طالما وهو الذي يتحرك متحررا من أية ضغوط من قبل الدول الكبرى والأمم المتحدة ما يعني معه أن الوضع في اليمن سيتجه في الأيام القادمة نحو مزيد من العنف والفوضى والى مزيد من الانقسامات الداخلية والتشظي الجهوي والمناطقي والمذهبي والطائفي والى مزيد من التفكك الاجتماعي والجغرافي والهوياتي.

لقد قررت كل الأطراف طواعية أن تكون خارج سياق الأحداث والتطورات الخطيرة التي تعبث بهذا البلد الذي أصبح العيش فيه نوع من المخاطرة حيث لم يعد استمرار الحرب يثير فقط الخوف والإحباط لدى الإنسان اليمني لكن فقد أصبحت الحياة فيه أيضا محفوفة بالمآسي اليومية التي تفوق الخوف نفسه في غياب أبسط مقومات الحياة وصعوبة تدبر بعض أساسياتها واحتياجاتها بعد أن أغلقت كل السبل في وجه 25 مليون إنسان يكتوون بهذا الوضع الكارثي الذي يغدو فيه الضحايا هذه الحرب العبثية مجرد أرقام توثقها المنظمات الدولية والمحلية في جداول حسب الفئات العمرية حتى تحافظ تلك المنظمات على حضورها في وسائل الإعلام.
وسط هذه التراجيديا والمأساة التي يعيشها اليمن وتصاعد الأعمال العسكرية واتساع المواجهات القتالية واقترابها من الممرات المائية الحساسة وشمولها مناطق ليست بعيدة عن مضيق باب المندب والشواطئ المتقابلة على سواحل البحر الأحمر، التي تعد ممراً مهماً للسفن التجارية العملاقة المتنقلة بين قارات العالم لم أجد تفسيراً لمغزى استبعاد ملف اليمن من أجندة مجلس الأمن الدولي خلال شهر يناير الجاري بذريعة منح الفرصة لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد الذي أعاد الى المنطقة الأحد الفائت بعد بيات شتوي استمر عدة أسابيع لإعادة الافرقاء إلى طاولة المفاوضات خصوصا وأن إجراء كهذا من قبل مجلس الأمن وفي هذا التوقيت تحديداً الذي دخلت فيه المعارك العسكرية في اليمن منعطفاً خطيراً يتهدد سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر بكل مميزاته الجيوسياسية يثير الكثير من علامات الاستفهام جراء هذا التهاون إزاء ذلك التطور الخطير.
اللاعبون الدوليون والإقليميون يدركون خطورة وأهمية البحر الأحمر والنتائج المترتبة على تمدد الصراع في اليمن إلى نقاط التحكم الاستراتيجي في هذا البحر الذي يعتبر ممراً لناقلات النفط ومعبرا للتجارة ومجالاً حيوياً لمصالح القوى الدولية ما بين البحر المتوسط والبحر الأسود والمحيط الاطلنطي وبين المحيطين الهادي والهندي وغني عن البيان أن استمرار الحرب اليمنية وتنافس الأطراف الإقليمية الرئيسية على مناطق النفوذ بالبحر الأحمر من شأنه أن يضاعف حالة الاحتقان في هذه المنطقة، وهو ما يجعل من الاستقرار في اليمن أمراً مهما للعالم كله ولعل تغاضي مجلس الأمن عن هذه التطورات، هو من يثير حقاً الكثير من الهواجس حيال ذلك الموقف الذي يظهر غير مكترث بالنتائج الفعلية لما سيجري مستقبلا في الساحة اليمنية المفتوحة على كل الاحتمالات ومنها تحديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
منذ أن بدأت «عاصفة الحزم» أواخر مارس 2015م وتداعيات الحرب تزداد عمقاً وتعقيداً ومع أن هذه العاصفة كان من أهم أهدافها دفع «أنصار الله» وحلفائهم إلى طاولة المفاوضات فان تفاصيل الرؤية السياسية لم تتضح بعد على الرغم من مرور 21 شهراً على الفعل العسكري إذ لم تظهر رؤية سياسية كاملة الى ما ستؤول إليه الأمور ولم تبرز أية خطوة تقود إلى حل سياسي مرتقب ينتشل اليمن من بؤرة تلك العاصفة ويسمح له بإعادة ترتيب بيته الداخلي ومداواة جراحه، فقد انشغلت الأطراف الدولية الفاعلة بالصراعات الأخرى في المنطقة فيما تركت الملف اليمني للأمم المتحدة مع أن الحقيقة أن الأزمة في اليمن هي اكبر واعقد من أن تحلها الأمم المتحدة أو أي مبعوث لها ولذلك فقد جاء تعامل هذه المنظمة منطلقاً من تلك الحقيقة بدليل ركونها كلياً على ما يمكن أن يقوم به مبعوثها الحالي إسماعيل ولد الشيخ الذي يبدو انه من امسك بملف أكبر من قدراته السياسية فهو صاحب خبرات في المجالين الانساني والاقتصادي على نحو يفوق خبرته في المجال السياسي مما جعل دوره يميل الى مأسسة الحرب في اليمن وإطالة أمدها اكثر منه إنهائها وإيقاف سعيرها.
ليس من باب الاتهام القول إن ولد الشيخ احمد منذ تعيينه مبعوثاً خاصاً إلى اليمن خلفاً للمغربي جمال بنعمر في 25 أبريل 2015م بدأ تائها وسط واحدة من اكثر أزمات الشرق الأوسط تعقيداً، فمع انه الذي قاد العديد من المشاورات بين الفرقاء في ثلاث مدن في جنيف يوليو 2015م وفي بيل السويسرية ديسمبر 2015م والكويت ما بين أبريل وأغسطس 2016م لكنها جميعا أخفقت في تحقيق أي تقدم نحو السلام وأمام انسداد افق هذه الجولات والمشاورات لجأ الى تبني (خطة كيري) واتفاق مسقط الذي رعاه كيري ايضا إلا أن مواقف هذا المبعوث وتردده قد عرضا ذلك الاتفاق للانهيار ولا ندري الى أين يمكن له أخذ اليمن هذه المرة؟ وماهي خطته الجديدة للسلام والمرجعيات التي ستستند إليها هذه الخطة؟ وبالذات وهو الذي لم يعلن موقفاً واضحا ولم يتخذ إجراء محددا نحو ما هو مثار الآن في تصريحات الفرقاء بشأن الأسباب التي كانت وراء فشل المشاورات السابقة التي رعتها الأمم المتحدة.
مع كل هذه التغيرات المعقدة داخل اليمن وخارجه فهل بمقدور ولد الشيخ احمد تحقيق اختراق يقود نحو السلام؟ أم أنه فعلاً بات تائها في دهاليز الأزمة اليمنية ما قد يدفع الأمم المتحدة وأمين عامها الجديد الى إخراجه من هذه الورطة وتعيين خلفا له يحظى بدعم أكبر وتفويض أوسع من مجلس الأمن الدولي والدول الخمس الكبرى بما يمكنه من إحداث ذلك الاختراق؟