الرادار.. صديقي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٠/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
الرادار.. صديقي

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

أنظر بتفاؤل تجاه تراجع حوادث السيارات، وما ينتج عنها من كوارث اجتماعية واقتصادية ونفسية، تبقى سنوات لمجرد خطأ أو استهتار، من سائق المركبة نفسها، أو من آخر بلغت به الحماقة حدّ اللامبالاة تجاه أرواح الآخرين.

وأيضًا، أنظر، ولكن بتشاؤم، تجاه الانتقادات التي تصبّ على أجهزة الرادار والمخالفات، ليس لأني على وفاق مع هذه الأجهزة، حيث لسعاتها تصلني، وأراني مستحقًا، لأني لو التزمت لما تحملت تلك المبالغ، وعلى قلتها فإن العشرة ريالات تتضاعف مع مرور الوقت، والإهمال في مراقبة السرعة المحددة.
التشاؤم مبرره أن من «يمشي عدل يحتار عدوه فيه» وفق المثل المصري المعبّر بحذاقة عن واقع الحال، وكم كانت الأرقام مذهلة وهي تتصاعد بوفيات حتى الحروب لا تفعلها كل يوم (أحيانًا)، وكانت سياسة «شكرًا لتقيدك بالسرعة المحددة» لها تأثير نفسي أكثر من صور الكوارث الناتجة عن الحوادث، حيث هناك عامل الجذب وتكريسه، فتكرار كلمة حادث بكثرة يحيلها إلى مفردة طبيعية، والعكس دلالة العكس.
قلت إن «الرادار صديقي» لسببين:
أولهما: أني لا أذهب إلى مشوار خارج مسقط إلا وعدت بمخالفة سير، وصغر مبلغها دال على أني (ملتزم، إلا قليلًا) وحيث يذهب الذهن إلى تفكير بعيد في مقال أو مشروع أدبي، أو غيرها من (شتات الحياة)، ولذلك ترتبط مشاويري بتذكار من هذا الصديق الذي يأبى إلا أن يقول لي إنك (تجاوزت) المسموح به أيها الرفيق، كما يحدث في أشياء كثيرة في الحياة، قد (تفلت بجلدك) في أماكن أخرى، حيث لا رقابة عين شرطي/‏ قانون، ولا عدسة عيني.

وثانيهما: احترامي الكبير له، فمنذ حضوره الكبير في شوارعنا وعدد الحوادث يتناقص، وفي هذا (بركة) فعدد الوفيات تجاوز الـ1200 وفاة قبل عدة سنوات، مرتفعًا من نحو 600 تقريبًا قبل أن يأخذ مساره ويصل إلى ذلك الرقم المخيف.

بعد هذه التوسعات، وزيادة عدد السيارات (وقائديها) وأيضًا (المتهورين بالضرورة)، مع زيادة عدد الشباب (المتحمسين) عامًا بعد عام، حيث كل وظيفة تعني إضافة سيارة جديدة إلى شوارعنا، مع أسباب (حقيقية) وأخرى (مفتعلة) لعدم اعتماد النقل العام في حركة الحياة اليومية.

إنما.. والحق يقال إن ذلك التناقص في عدد الحوادث لا يعود إلى (الرادار) وحده، حتى مع عمله ليل نهار لاصطياد (المتجاوزين) على تعدد أسبابهم، إنما هناك جهد هائل تقوم به الحكومة على مستويات الطرق، ومن عاش مرحلة الثمانينيات والتسعينيات في شوارع (الداخلية) على سبيل المثال يدرك معنى الخطورة في شارع الاتجاه الواحد، وعلى خط (الباطنة) كيف يمكن للتقاطعات أن تكون «مجازر» يومية، ومع دخول الشوارع المزدوجة والجسور، هذا الجهد التنموي المكلف والشاق، توفر مفهوم السلامة بما يحمي الأنفس والأرواح من «الزهق المجاني والمتصاعد» على شوارعنا.