صناعة الوعي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٩/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
صناعة الوعي

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

استكمالا لمقالي أمس حول «الوعي» كمرتكز أساسي للحديث عنه، حيث التربية الأولى تنشأ على ترسيخ مفهوم «النفعية» فــي وعينا المجتمعي، بدءا من الطفولـــة، حيث ينتظر الصغار مكافأة (نعدهم بها) إن فعلوا جانبا حسنا، فتتحـــول «الهديـــة» إلى مكافأة مستحقة، وليست تشجيعا على فعل خير، يعود بالصالح عليهم، فيتم التركيز على «المنفعة» بما يستقر في العقل الباطني على أن مقابل كل ما نفعله.. هناك ما ننتظره من جزاء مادي.

يسير ذلك بموازاة التربية الدينية على أن كل خير نعمله هناك مقابله حسنة، وهذه الحسنة ستوصلنا إلى الجنة، حيث ما نشتهيه من حور عين وخمر لذة للشاربين، بينما المقصد، أن فعل الخير يفترض بنا أن نبتغي به رضا الله الخالق أولا وأخيرا، وشكره على نعم كثيرة أعطانا إياها، كالصحة (على سبيل المثال) عدا ما حولنا، حيث كل نعمة تستوجب شكره.. بفعل العمل الصالح.

وتنتقل هذه «التربية» في عقلنا الباطني.. مرحلة إثر أخرى في حياة تتوافر فيها فرص كثيرة للكسب المادي المباشر.. يستوي في ذلك الحديث عن «المناصب» بما توفره من «ميزات»، تعلو كلما علا المسمى، وعضوية مجلس الشورى وغيره، وصولا إلى مجالس إدارات جمعيات المجتمع المدني، وهي أكثر ما يفترض أن تكون «خدمية» للآخر، وليس لذوات القائمين عليها.
ونجد في مجتمعاتنا العربية، خاصة في منطقة الخليج، ارتفاع نسبة النفعية في وعينا الجمعي، كوننا عشنا مرحلة الرفاه المادي «على يدي النفط أعزه الله» فبدت النفعية المادية مباشرة في كل نشاط حكومي أو اجتماعي، أو حتى إنساني، فأي فعالية تصبح قابلة لتتشكل فيها لجان عدة تكون جاذبة كونها تحقق «فائدة» مالية مباشرة بعد انتهاء الحدث، عــدا اللجان الحكومية فينال كل فرد حصته من الكعكة، بما يذكرني بفيلمي التقرير والحدود لدريد لحام، حيث تقام احتفالات ضخمة بسبب إنشاء مشروع خدمي، وتبقى الحنفية التي «يقطر» الماء منها شاهدة على واقع الحال، وكذلك «الهبّة» الشعبية تضامنا معه، لكنه يبقى عالقا في مشكلته.. الحدودية!
معضلة «الوعي» معنا أن «المجتهد» ولا أقول «المبدع» ينال «الفتات» بينما تذهب حصة الأسد لمنتفعين يفترض بهم دعم الجهد الإبداعي، وليس الاعتياش على مائدته، فنجد (على سبيل المثال) أن عضويــة لجنة (ضمن أكثر من عشر) في مهرجان مسرحي حكومي تأتــي بمكافأة لا ينالها الفائز بجائـــز أفضل ممثل، علما أنها تبقى مفتوحة (للإداريين) من الذين يؤدون دورهم الوظيفي، لكن من يملك القرار بـ«حرمان» اللجان من «مكافآتهــا» وقــد ترسخ فـــي وعيها أن حرمانها جريمـــة، وهــي محقة في ذلك، لأن «الكبار» لا يتورعون عن وضع أسمائهم في كشوفات.. مكافآت اللجان.
أخبرني مسؤول بمرتبــة (وزير) أنه بعد فعاليـــة كبيــرة جـــاءه كشف المكافآت لتقسيم ما تبقى من ميزانية (الحــدث) فقــال ساخراً: طالما وضعتم اسم «الوكيــل» فأين اسمي؟ فحاولوا إقناعه بوضع اسمه لكنه رفض الكشــف كاملا وأعاد المبلغ إلى «الخزينة».
متى نكفّ عن النظر لكل شيء على أنه ثمة بقرة حلوب عليها أن تعطينا «ما تيسر» وإلا تذمرنا وتكاسلنا؟!!