عُمان.. دولة المستقبل بامتياز!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
عُمان.. دولة المستقبل بامتياز!

علي ناجي الرعوي

عشية العام الميلادي الجديد 2017 كان المشهد في سلطنة عُمان يبدو مختلفا عن كل ما عداه في هذا الإقليم المضطرب.. إذ أنه وفي تلك اللحظة الفارقة التي كانت فيها وسائل الإعلام المختلفة بجيوشها الجرارة وكاميرات محطاتها التي تغطي كل جهات الأرض تستضيف أهل السياسة وخبراء التحليل لاستشراف آرائهم ومعرفة أكبر قدر ممكن من الاحتمالات الممكنة في العام الجديد والوقوف على وجهة نظرهم حيال ما يجري من أحداث وحروب وأزمات في عدد من الدول العربية والسبل الكفيلة بإيقاف موج الموت والعنف والدمار المتصاعد في هذا الجزء الحيوي من العالم كانت كل الرؤى الاستشرافية تتوقف باندهاش عند ذلك المشهد العُماني الذي ينشغل بتفكيره وحواسه بسبر غور المستقبل انطلاقا من معطيات الحاضر وتراكم الخبرات المكتسبة من العقود الفائتة.

كانت كل التحليلات والرؤى التي تحاكي طلاسم المشكلات المستعصية تميل إلى القول: في منطقة تمزقها الصراعات والاعتراكات الأيديولوجية والطائفية والمذهبية يصبح من الصعب العثور على دولة تستعصي على الاندراج في مسار يترنح بين حدي الجمود والرتابة والسقوط في دوامة الحروب والصراعات الداخلية بما يتيح لهذه الدولة أن تتميز بعوامل الأمن والاستقرار وبأعلى نسب الصواب وسط محيط تتقاذفه الأنواء والأمواج المتلاطمة والفضاءات المتوترة إلا أن من كانوا يستنطقون أو يرصدون الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية المتحركة في الإقليم سرعان ما كانوا يعودون لاستقراء (الاستثناء العماني) الذي يقف بإيجابية مطلقة خارج هذا النفق المظلم برصيده المشرف الذي بناه على مدى أعوام على قاعدة الصبر والمثابرة والشراكة المجتمعية والتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها بين الحاكم والمحكوم هو من يقف حائلا دون المقارنة مع دولة تفاخر اليوم بأنها من أكثر بلدان العالم استقرارا وأمنا وازدهارا.

في ذروة التنبؤات والتوقعات والأفكار التي كانت تخرج على الناس من الفضائيات مع بداية العام الميلادي الجديد كنت أتابع مقاربة أحد الأكاديميين المغاربة للأوضاع في البلدان العربية التي تسرب إليها الوهن الشديد مما أدى إلى الإجهاض السياسي لمشاريع النهوض العربي في العصر الحديث لفت انتباهي في هذه المقاربة تفسيرها لظاهرة الإحباط التي تسيطر على الإنسان العربي في هذه المرحلة كما لم يحدث في تاريخ أي أمة أخرى خصوصا وهي من أوحت للمتلقي بأن طغيان هذه الظاهرة على الواقع العربي إنما هو الذي ارتبط بشكل مباشر بإخفاق الدولة الوطنية في المنطقة العربية في التأقلم والتكيف مع استحقاقات العصر وصياغة معادلة جديدة للشأن العام مما دفاع بالعديد من هذه الدول للغرق في الفراغ المجهول الذي أفقدها إيقاع استقرارها وأمنها وسلمها الاجتماعي مع أنها بحسب ذلك المقاربة كان بوسعها تجنب هذا المصير لو أنها فعلا اتجهت ببصرها صوب تجربة سلطنة عُمان التي رسمت لنفسها خطا متوازنا أنتج فيها طاقة كبيرة من الوئام والسلام والتطور والرخاء بصورة لم يألفها الكثير من العرب في بلدانهم.
وهنا يقفز السؤال: لماذا لم يستفد العرب من هذه التجربة الغنية بمعاني الرشد والعقلانية والحكمة والسداد؟ مع أن تجربة كهذه لا يمكن المرور عليها مرور الكرام من دون استلهام دروسها التي أسهمت في بناء دولة عصرية وحديثة ومستقرة لا خصومة لها مع أحد بل على العكس من ذلك فهي التي تقيم علاقات وشراكة جيدة مع كل الأطراف الإقليمية والدولية إلى درجة صار لا يذكر فيها اسم عُمان بدون قرين الوسيط النزيه الذي يعنى بحلحلة الخلافات والنزاعات الملتهبة في المنطقة وخارجها لقناعته من أن خياراتنا في هذه المرحلة أو في غيرها لا ينبغي لها أن تكون رهينة لمنطق القوة.
ديمومة الاندهاش التي جعلت أكاديميين مثل البروفسور اندرياس كريج أستاذ جامعة كينجز كوليج في لندن والخبير في الشؤون الخليجية ذات يوم يقول: لقد قضيت وقتا طويلا أبحث في خصائص التجربة العمانية والطريقة التي أدار بها السلطان قابوس عملية التحول في هذا البلد حتى أصل إلى الفكرة التي بمقدورها إقناع الجمهور في الغرب والشرق بالطريقة التي استطاع من خلالها هذا الزعيم المحنك أن ينقل بلدا إلى مصاف الدول المتوثبة للنهوض في زمن قياسي إلى درجة صارت فيه عُمان توصف الآن بأنها سويسرا الشرق الأوسط أو نرويج الخليج هي ديمومة نستدل منها كيف أمكن لعُمان فعلا أن تصبح نموذجا للاستقرار السياسي والاقتصادي الداخلي والخارجي على حد سواء في منطقة تغوص بالفوضى والإحداث الدراماتيكية الدموية من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها وكيف أمكن لها أن تحقق هذه النقلة النوعية، كان ذلك على مستوى معيشة مواطنيها أو على صعيد التغيير الجذري في نمط التعليم والرعاية الصحية وبناء الإنسان مع أن عُمان ليست غنية بالنفط والغاز بقدر جيرانها في مجلس التعاون الخليجي.
من الواضح أن عُمان قد نجحت بحكمة قيادتها وتوحد شعبها حول قيادته ووطنه في أن تصبح دولة على قياس هذا العصر تواقة للمعرفة والإبداع لتصبح بيئة حاضرة لطاقات أبناء شعبها ومعبرة عن أحلام أجيالها الصاعدة والواعدة ومثل هذا التحول ما كان له أن يتحقق من دون تنأى بنفسها عن كل الصراعات والخروج من ضعف التمزق والتخلص من التخلف الحضاري والتاريخي لتصبح رسولا للسلام والمحبة يعتمد عليها في الإصلاح بين الفرقاء وتضيق الهوة فيما بينهم ونزع فتيل الصراعات والنزاعات التي تجتاح المنطقة وهو ما تجلى في الدور الذي لعبته عُمان في الآونة الأخيرة أكان ذلك حيال التوتر في سوريا أو اليمن أو غيرها من الملفات على امتداد الجغرافيا العربية وصولا إلى دور الوسيط الذي قامت به في الصراع الإيراني الغربي.
في الطريق إلى المستقبل يتأكد تماما أن عُمان تسارع إلى ركوب القطار السريع الذي يسير بها إلى الآفاق الرحبة من العالم الجديد إذ أنها وبحلول العام 2020 تكون قد وصلت إلى امتلاك مقومات التنوع الاقتصادي عبر الاستغلال الأمثل لموقعها الجغرافي الاستراتيجي والاستثمار في قطاع السياحة والصناعات التحويلية والتوسع في حجم الشراكة مع المجتمع الدولي بما يخدم إستراتيجية صناعة المستقبل وتشكليه وفق قاعدة المصالح الوطنية.