الرعاية الصحية على الهواتف المحمولة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الرعاية الصحية على الهواتف المحمولة

باميلا كسرواني

تخيّلوا أنكم تستطيعون التحدث بكل حرية مع طبيبكم النفسي وأنتم جالسون في غرفة نومكم أو أنكم بنقرة واحدة قادرون على التواصل مع طبيبكم أو إيجاد الطبيب الأفضل والأقرب إلى منزلكم أو حتى أن تطبيقاً واحداً قادرا على مراقبة صحتكم وأسلوبكم الغذائي.

هذه الأمور لم تعُد مجرد حلم بل أصبحت من الواقع لأن الصحة والعافيــة باتت جــزءاً لا يتجزأ من العصــر الرقمي مع ظهـــور مجموعــة من التقنيات الحــديثة التي من شأنها أن تغير جذريــاً الطــريقـة التي نراقب فيها صحتـنا ونفهمها ونعالجها.
في عصر يواجه العالم وبالتحديد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العديد من التحديات الصحية والاقتصادية، تظهر الحاجة إلى ابتكار حلول الرعاية الصحية المتقدمة؛ حاجة أخذها رواد أعمال المنطقة وشركاتهم الناشئة على عاتقهم رغم التحديات الجمّة.
وبحسب تقرير «شركات الرعاية الصحية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الذي أصدره هذا العام «مختبر ومضة للأبحاث» بالتعاون مع «جنرال إلكتريك»، متى توفّرت بيئة حاضنة لشركات الرعاية الصحية الناشئة متطورة بما يكفي، ستقدّم هذه الشركات حلولاً صحية مُبتكرة تتكيّف مع السياق المحلي وبالتالي، تولّد فرص عمل تُساهم في التقدم نحو اقتصاد يعتمد على المعرفة. كما تُحسّن الابتكارات الصحية من نوعية الخدمات، وتزيد من إمكانية النفاذ إليها، وتخفض تكاليف الرعاية الصحية من خلال تمكين وتحفيز الناس على تحمّل المزيد من المسؤولية من أجل صحة أفضل.
إضافة إلى هذه العوامل، أشار التقرير أن أنظمة الرعاية الصحية في العالم تواجه العديد من التحديات فيما تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أسوأها لاسيما أنه، بحلول 2030، ستتفاقم مشاكل غياب التوازن بين العرض والطلب وتكلفة الرعاية الصحية المتزايدة بسبب النمو السكاني وازدياد عدد المرضى المتقدمين في السن وانتشار أمراض السمنة والأمراض غير المعدية. من دون أن ننسى أن المنطقة تعاني من أعلى معدلات الباحثين عن عمل في العالم بنسبة 10 %، ربعهم من الشباب. وبالتالي، من المفترض أن تساهم شركات الصحة الناشئة في إيجاد فرص العمل وفي الوقت نفسه تعزيز صحة أفضل.
ومن هذا المنطلق، زادت الحكومات من الإنفاق على الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط بشكل ملحوظ ومن المتوقع أن يصل عتبة 141 بليون دولار في 2020 متجاوزاً النمو العالمي (8،6 %) في 2018.
ورأى التقرير أن الشركات الناشئة التي تُعنى بالرعاية الصحية في المنطقة العربية ما زالت في أولى مراحلها إلا أن بعض الدول متقدمــة أكثر من غيرها حيث إن مصـــر والإمـــارات العربيــة المتحــدة تضم أكبر عدد من الشركات الناشــئة تليها فلسطين ولبنان والأردن والمملكة العربيـــة السعودية. إضــافة إلى أن حلول الرعــاية الصحية على المحمول Mobile Health والصحة المتصلة Connected Health تُعتبر الأكثر انتشاراً في الصحة الرقمية.
أمر أكد عليه رولان ضاهر، رئيس مبادرة «دبي 100» التابعة لـ «فالكون وشركاؤها» قائلاً: «لا نجد الكثير من تطبيقات ومنصات الرعاية الصحية الرقمية في المنطقة. معظمها هي عبارة عن منصات أو ما يشبه دليل للأطباء والخدمات الصحية. نجد بعض المحاولات للطب عن بعد وأخرى من أجل تحليل البيانات الصحية للأفراد».
وعزا ضاهر لجوء العديد من رواد أعمال المنطقة إلى هذا النوع من نماذج الأعمال إلى أنها «الأسهل للتطبيق لاسيما أنها تُساعد كثيرين على حل مشاكل أساسية وهي إلى أي طبيب نلجأ؟ وإلى أي عيادة أو مستشفى نتوجه؟». كما أنه رأى أن هذا النوع من التطبيقات لا يخضع للعديد من القوانين التنظيمية التي قد تحدّ عملها».
ويبقى أن هناك حاجة ملحة لتطبيق حلول الرعاية الصحية في مختلف مجالاتها في منطقة الشرق الأوسط. ولا شك أن الرعاية الصحية الرقمية واسعة النطاق وتشمل الأجهزة القابلة للارتداء وتطبيقات الهواتف الذكية الخاصة بالصحة والسجلات الطبية الإلكترونية المحمولة وتلك الخاصة بتسلسل الحمض النووي. إلا أننا سنُشير إلى بعض الأمثلة الخاصة بالرعاية الصحية على المحمول كنموذج لما حققته، حتى الآن، البيئة الحاضنة في المنطقة.

«ويب طب»، منصة التواصل

هذه الشركة الفلسطينية تأسست عام 2011 وحصلت على ترخيص من كلية الطب في هارفرد ومستشفى مايو كلينيك. تهدف «ويب طب» إلى توفير معلومات الطب والصحة الموثوقة والشاملة وخدمات الصحة الرقمية للمواطن العربي عبر موقعها وتطبيقها. وتريد هذه الشركة أن تكون منصة تواصل بين المواطن العادي والجهات العاملة على تقديم الخدمات الطبية والصحية المختلفة، كالأطباء، والعيادات، والمستشفيات، والصيدليات، وشركات ومستودعات الأدوية، وشركات التأمين من أجل تمكين المستخدمين على اتخاذ قرارات صحية مستنيرة.
ولعلّ أبرز ما يميّزها، ميزة «مشخّص الأعراض» التي تُساعد المستخدم على تحليل الأعراض التي يعاني منها والحصول على تشخيص للأسباب المحتملة لحالته وتفسيرها. ومنذ انطلاقها، نجح «ويب طب» في استقطاب العديد من المستخدمين مسجلاً نحو مليون زيارة شهرياً لاسيما من السعودية ومصر والمغرب والجزائر والعراق.

«الطبيّ»، دليل الأطباء عبر المنطقة

يريد هذا التطبيق أن يوفّر كل ما تحتاج أن تعرفه عن الصحة ويحتوي على مجموعة واسعة من المصطلحات والأخبار الطبية. ويتميز بأنه أيضاً دليل للأطباء في 6 دول عربية، منها السعودية والإمارات ومصر والأردن. فعلى مدار الساعة وكل أيام الأسبوع، يستطيع المستخدم، أن يسأل واحداً من الأطباء الـ 150 المسجلين على الموقع أي سؤال حول أي مشكلة صحية يُعاني منها أو يريد الاستفسار عنها.

«سجل الحمل» دليل كل امرأة حامل

هذا التطبيق هو الرفيق الأمثل للنساء الحوامل وأطباء النساء على حد سواء. فيساعد «سجل الحمل» المرأة الحامل على مراقبة تطور جنينها أسبوع بأسبوع كما أنه يشير ما إذا كان وزنها طبيعي ليقدم لها النصائح الغذائية المناسبة ويُعرّفها على الأدوية التي يُنصح بتجنّبها خلال فترتي الحمل والإرضاع ويذكرها بأوقات تناول الأدوية التي وصفها الطبيب. ويساعد التطبيق الطبيب النسائي على الوصول إلى سجلات الحوامل في أي وقت بكبسة زر إضافة إلى تدوين وحفظ أرشيفات جميع زيارات المرضى بما فيها من بيانات ديموغرافية، وتقييمات صحية، وتشخيصات طبية، ونتائج فحوصات، وسائر المعلومات والتفاصيل المتعلقة بالوضع الصحي للمرضى.

«ميدز كونيكت» سجلّك الصحي في جيبك

هذا التطبيق يريد أن يكون رفيق المرضى والصيدليات في آن واحد من أجل صحة وعافية أفضل. فيساعد المستخدم على أن لا ينسى تناول أدويته أو مواعيده عند الطبيب كما أنه يسجل كل مهماته الصحية في سجله الصحي الرقمي لحفظ هذه المعلومات وتقديمها للطبيب إضافة إلى أنه يساعد على البحث عن العلامات التجارية الأدوية المحلية وتسجيل كل تعليمات تناول الأدوية كما حددها الطبيب.

«هاي دوك»، لطبابة عن بعد

منصة وتطبيق «هاي دوك!» تريد تقديم خدمات الرعاية الصحية عن بعد بفضل الربط بين المرضى والأطباء المتخصصين المناسبين إضافة إلى توفير جلسات استشارية داخل التطبيق. ويتمكن المرضى من التواصل مع الأطباء بكل سهولة والأهم بكل «سرية» لأن بياناتهم آمنة وتتمتع بالخصوصية في حين يُقدم الأطباء النصائح والملاحظات وفقاً للحالة.
هذه عيّنة عن تطبيقات الرعاية الصحية على المحمول المتوفرة في المنطقة حيث إن عددها ما زال معدوداً مقارنة بالمواقع الصحية التي تريد أن تكون رفيقاً ومرشداً للمستخدمين. ولكن ســؤال يطرح نفسه: ما الذي تفتقر له المنطقة لازدهار هذا القطاع؟ هنا يجيب ضاهر «لدينا ما يكفي من المشــاكل والحاجات ولدينا الكثير من الطلب في ما يتعلق بالمشاكل الصحية، من أســلوب عيش صحي إلى حلول لأمراض مزمنة» إلا أن المشكلة تكمن في أن الحلول لهذه المشاكل تحتاج إلى الكثير من المال والوقت.
الوقت والمال، أمران غالباً ما لا يملكهما رائد الأعمال لا بل يؤمن ضاهر أن «رائد الأعمال لا يستطيع أن يجد الحل بمفرده» ويرى أن الطريقة الوحيدة لازدهار هذا القطاع تكمن في تعاون مختلف أصحاب المصالح. ويشرح قائلاً: «تكمن المشكلة في أنه حتى لو توصل رائد الأعمال إلى تكنولوجيا مبتكرة إلا أنها ستكون من دون فائدة إن لم تحظَ بموافقة الهيئات التنظيمية لمراعاتها السلامة ولم تحصل على دعم شركات التأمين التي تريد التأكد من أن التطبيق سيخفض من تكاليفها ويزيد من عائداتها...» من دون أن ننسى أيضاً الحاجة إلى أن تكون التكنولوجيا دقيقة ليتبنّاها أيضاً الأطباء.
يشدّد ضاهر أن قطاع الرعاية الصحية الرقمية الذي يفتح الباب أمام العديد من الفرص محفوف بالمصاعب لأن «رواد الأعمال يقعون في فخّ الرغبة بإصلاح أي شيء بحلولهم. قد يكون الأمر سهلاً إذا كنت تبحث عن تقديم حلول لمشكلة سيارات الأجرة مثلاً لكنّ الوضع مختلف تماماً مع الرعاية الصحية».
على الرغم من هذه المشقات، يرى ضاهر أن الطريقة الأكيدة لازدهار هذا القطاع في المنطقة تبقى أن يتعاون كل الأفرقاء، الحكومات، شركات التأمين، الأطباء والشركات الناشئة المبتكرة من أجل تحديد مشكلة صحية معينة وتوفير كل الموارد من أجل إيجاد الحلول لها».

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية