رسالة صوتية لعمان تستحق الدرس

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
رسالة صوتية لعمان تستحق الدرس

فريد أحمد حسن

لنتأمل هذين المشهدين المتناقضين اللذين حدثا في ديسمبر الجاري؛ الأول يصور نهاية أسبوع دامية ضرب فيه الإرهاب خمس دول هي مصر واليمن ونيجيريا والصومال وتركيا، والثاني يلخص رسالة صوتية تلقاها مواطن عماني من صديق له يؤكد فيها أن ما جرى في تلك الدول ويجري في غيرها لا ينبغي أن يجري في سلطنة عمان التي تقدم للعالم مثالا موجبا يستحق الدرس.

تعليقات الصور التي نشرت برفقة الأخبار عن ذلك المشهد الدامي تعبر عن فداحته وخطورته؛ «راهبة تبكي بينما تقف في موقع الانفجار بداخل الكنيسة البطرسية. الاعتداء استهدف جنوداً كانوا يسعون للحصول على رواتبهم في عدن . 30 قتيلاً حصيلة هجوم قرب ملعب كرة قدم في إسطنبول. هجوم مزدوج في نيجيريا أوقع 45 قتيلاً. من ضحايا الانفجار في مرفأ العاصمة الصومالية مقديشو»، وهي تكفي لتذكر كيف كانت عليه نهاية ذلك الأسبوع الديسمبري الدامي.

عن تلك الأحداث كتبت وكالات الأنباء ما ملخصه «القاهرة، عدن، مقديشو، أداماوا، واسطنبول، كلها مدن تعرضت إلى هجمات إرهابية دامية خلفت وراءها مئات القتلى والجرحى. لم تفرّق هذه الهجمات بين دور عبادة وملاعب وأسواق وقوات أمن. سيبقى هذا الأسبوع من شهر ديسمبر ذكرى أليمة بالنسبة إلى كثير من الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم بسبب هجمات الإرهاب التي اعتمدت على أدوات قتل رهيبة» .
في التفاصيل كتبوا «كانت أولى الهجمات الإرهابية، الجمعة، عندما فجرت امرأتان نفسيهما في سوق بولاية أداماوا شمال شرقي نيجيريا وكان الضحايا من الباعة والمتسوقين. والسبت، فجر انتحاري نفسه أمام معسكر للقوات الشرعية في مدينة عدن جنوب اليمن، وأظهرت المعلومات أن الانتحاري كان يرتدي حزاماً ناسفاً واستهدف جنوداً حضروا إلى المعسكر لتسلم رواتبهم. وفي اليوم ذاته، شن إرهابيون هجوماً مزدوجاً في مدينة إسطنبول، عندما انفجرت سيارة مفخخة قرب استاد فريق بشكطاش لكرة القدم، وبعد أقل من دقيقة فجر انتحاري نفسه الأمر الذي أدى إلى سقوط 38 قتيلاً وجرح 150 آخرين. وفي العاصمة المصرية القاهرة وضع إرهابيون عبوة ناسفة شديدة الانفجار في إحدى غرف الكنيسة البطرسية في حي العباسية «تبين لاحقاً أن التفجير بفعل انتحاري»، وأفاد شهود أن الانفجار وقع لحظة الاستعداد لبدء الصلوات في يوم الأحد. الاعتداء خلف 25 قتيلاً و49 جريحاً معظمهم من النساء والأطفال. وشهد الأحد أيضاً هجوماً إرهابياً آخر في الصومال عندما انفجرت شاحنة مفخخة قرب مرفأ العاصمة مقديشو أودت بحياة 20 شخصاً غالبيتهم من المدنيين».

لنتأمل الآن في المشهد الثاني والذي كان عبارة عن رسالة صوتية حميمة أرسلها الكويتي الدكتور عبد العزيز القطان إلى صديقه العماني الدكتور زكريا المحرمي وعبر خلالها عن انطباعاته عن سلطنة عمان وتمنياته وقدم النصيحة كي لا تضاف عمان ذات يوم إلى قائمة الدول التي يطالها الإرهاب. جاء في الرسالة الصوتية «أرجو أن تنقل هذه الرسالة على لساني إلى كل الشعب العماني الأصيل بدءا من جلالة سلطان الحكمة قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه إلى أصغر عماني. لا أجامل أهل عمان. شرف لي أن أكون عمانيا وأن أزور عمان وأن أنتمي لهذه البقعة. أنا عربي ومسلم ومحمدي أكره المذهبية وتعلمت من المدرسة العمانية بأن لا أكون طائفيا ولا مذهبيا، وأعني غلاة المذاهب وليس المذهب كمذهب. وهذا الخلق العماني والابتسامة العمانية والأخلاق العمانية كلها لمستها في الشارع العماني عندما زرت عمان، وكنت أقول للجميع تعلموا من العمانيين الجمال والأخلاق والأدب، قلوبهم بيضاء مثل الورقة البيضاء وفيهم حب للكل وللجمال وللحياة وللنباتات والأزهار والحيوان وللإنسان، وحب للخير والسلام نادر جدا أن تلقاه في كل الأمم، وهذا لمسته بعيني، وعندما زرت عمان وأهداني بعض الأصدقاء مؤلفاتهم عن عمان وجدت ما كتبوه في كتبهم في سلوك العمانيين. العمانيون أهل كرم وأدب وأخلاق، وسبحان الله الأرض والتربة العمانية تشبه كل عماني حقيقي أصيل. الله لا يغير عليكم هذه النعمة حكومة وشعباً وسلطاناً، ومهما كان من هجمة من بعض الحمقى والأغبياء ممن يتطاول على سلطنة عمان وشعبها والقيادة والعقل والحكمة والمثقفين العمانيين فنصيحتي ألا تنجروا إلى هذه الترهات فأنتم أعلى وهذا مقام عال وسام، والله يرفع قدركم زود وزود، وأنا أنحني لهذه التجربة العمانية والفكر العماني. نصيحتي لوجه الله تعالى ألا يجركم أحد للتطرف، ابقوا مثل ما أنتم يا أهل عمان بطيبتكم وأخلاقكم، مهما كان السباب والشتيمة أو الكذب أو الدسائس عليكم أو نشر أخبار المراد منها جركم إلى تفاهاتهم، وكما يقول المثل إذا رأيت الرجل بين قادح ومادح فاعلم بأنه عظيم، وأنا أقول فاعلم بأنه عماني. هذه الأخلاق العمانية تعلم الدنيا. في الخليج نحتاج في هذه المرحلة إلى التوازن الذي مثاله عمان. حفظ الله عمان والسلطان وهذا الشعب الكريم والنخب الجميلة. اليوم السلطنة تقدم نخبا مثقفة في الإعلام العربي والتلفزيون والصحافة، قمة العقل والتوازن والحكمة، ما يجعل المحللين يقفون حائرين أمام الشخصية العمانية والتميز والتوازن والعقل العماني . تحية لك يا صديقي ولعمان سلطنة الصداقة والسلام».

مشهــــدان متناقضـان، تزكم رائحـــة أولهمــــا الأنوف وهو ملــــيء بالدماء والموت، ويمتلئ ثانيهما بالحياة والفرح وعنوانه عمان.

كاتب بحريني