التعليم حبل النجاة للشرق الأوسط

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
التعليم حبل النجاة 

للشرق الأوسط

موحى الناجي

ألحق تصاعد التطرف والعنف والحروب الأهلية في الشرق الأوسط، منذ بدء ما يسمى بثورات الربيع العربي في العام 2010، خسائر مروعة في الأرواح البشرية والمعدات واختلالات كبيرة في خدمات الرعاية الاجتماعية. هناك حاجة ماسة لبناء دول فعالة تدعم السلام، وتوفر قدرا أكبر من الرخاء والفرص، وتحترم حقوق الإنسان أكثر من أي وقت مضى.

بالفعل، أسفر تفاقم العنف في السنوات القليلة الفائتة عن مصرع أكثر من 180.000 عراقي وأكثر من 470.000 سوري. علاوة على ذلك، تم تشريد نحو 6.5 مليون سوري داخل الوطن، وطُرد أزيد من 4.8 مليون من البلاد إطلاقا. وتعرض الكثيرون للتعذيب في السجون وللإذلال في مخيمات اللاجئين. وبلغت نسبة الضحايا المدنيين 70-80 بالمائة، معظمهم من النساء والأطفال.

في الواقع، وفقاً للمركز السوري للبحوث والسياسات، نصف اللاجئين والنازحين داخلياً هم دون سن 18، الأمر الذي يؤثر تأثيراً سلبياً على آفاقهم المستقبلية. وتفيد تقارير اليونيسيف أن 2.1 مليون طفل في سوريا و700.000 طفل لاجئ سوري لا يذهبون إلى المدرسة مطلقا، وما مجموعه 80.000 من الأطفال اللاجئين في الأردن يفتقرون إلى التعليم.
ولكن كل هذه التكاليف البشرية هي أعراض لمشكلة أعمق - وخلافاً للاعتقاد السائد، فإن المشكلة ليست في الإسلام. وإذا كان الإسلاميون الراديكاليون أو الجهاديون مسلمون، فذلك لا يعني أن دينهم عنيف بطبيعته، ناهيك عن عرقهم أو ثقافتهم.
من خلال متابعة الأخبار الغربية، من السهل ملاحظة لماذا أحيانا يُلقَى اللوم على الإسلام. علاوة على تقديم المسلم بالعنيف والمتوحش، هناك صور شائنة أخرى نُسجت عن الإسلام، وأبطالها هذه المرة إرهابيو (داعش) في سوريا والعراق باعتبارهم محاربين شرسين ومتوحشين، يمثلون كل أنواع العدوانية ويقومون بكل أشكال العنف والتنكيل، مرورا بالهجمات الإرهابية التي تشنها القاعدة، إلى رجم المرأة الزانية حتى الموت تحت غطاء قانون الشريعة في أفغانستان. الكثير من المراقبين والمهتمين يُعزي وجود العنف ببعض الدول الإسلامية في الشرق الأوسط للعامل الديني ولوجود الخلافات الطائفية. وكنتيجة لذلك، كثيرا ما يُنظر إلى الإسلام أساسا كتهديد للسلام.
ولكن، كما يشرح الفيلسوف الكَنَدي تشارلز تايلور، التهديد الحقيقي ليس الإسلام نفسه، بل «تفكير القطيع». ويشكل المتطرفون الإسلاميون أقل من 0.5 بالمائة من السكان المسلمين على الصعيد العالمي، ولكن هذه النظرة هي التي تسيطر على تغطية الإعلام الغربي ليس فقط للإسلام، ولكن أيضا للتطورات السياسية في الشرق الأوسط. وبطمسها للاختلافات الهائلة في الأوساط المسلمة، تعزز هذه التغطية الصورة النمطية المُشوِهة للإسلام وأتباعه. وهذا ما يُسمى بتفكير القطيع. وحسب وثائق مايكل غريفين في كتابه بعنوان «الدولة الإسلامية: إعادة كتابة التاريخ» أصبح مثل هذا التفكير شائعا في الولايات المتحدة وأوروبا.
كنتيجة لذلك، تبنى العديد من الناس نظرية صمويل هنتنغتون حول «صدام الحضارات» التي تَدعي أن الإسلام يتعارض مع الحداثة. لكن يتجاهل هذا الادعاء أفكار وأثر الإصلاحيين الأوائل في الإسلام - مفكرون بارزون مثل محمد عبده وجمال الدين الأفغاني - الذين ما فَتِئوا يؤثرون على المسلمين في كل مكان.
وأدت الموجة الإصلاحية الأولى إلى إنشاء الحركة السلفية (حركة علماء المسلمين المتنورين)، الذين اعتبروا الدولة الحديثة وسيلة لتحسين وضعية المسلمين. ونخص بالذكر نخبة متميزة من المفكرين المسلمين الكبار - مثل عبد الكريم سروش الإيراني والطاهر الحداد في تونس وفضل الرحمن الباكستاني، وفاطمة مرنيسي المغربية، وقاسم أمين في مصر ومحمود محمد طه السوداني - الذين واصلوا استكشاف الصِلات بين الفكر الإسلامي والقيم الحديثة. وإذا كان الإسلاميون المتطرفون يعارضون عملهم، فقد ترك هؤلاء المفكرون أثرهم العميق على أجيال من المثقفين المسلمين في كل بقاع العالم.
كل هذا لا يعني أنه ليس لبعض التفسيرات الدينية أي دور في أعمال العنف في الشرق الأوسط. على العكس من ذلك، هذا العنف - بما في ذلك الاعتداء الجنسي والحرمان التعسفي من الحريات الفردية والعامة - الواسع النطاق والمتعدد الأوجه، سببه مزيج من المعتقدات الدينية والتقاليد الثقافية والعرق والانتماء الطائفي، والحرب والسياسة التي تغذي هذا العنف. ويمكن اعتبار حتى تجنيد المقاتلين الجهاديين شكلاً من أشكال العنف القائم على أساس الدين، مثل جرائم الشرف وتزويج الأطفال.
ولكن لا شيء من ذلك يدل على أن الإسلام بطبيعته دين عنيف. وتُعد التفسيرات الثقافية أو الدينية أو العرقية الغامضة وفي كثير من الأحيان المتعصبة أيضا، بمثابة وصفة لعمل سفيه أو للخمود على الإطلاق.
ما يحتاجه الشرق الأوسط هو مجموعة من الاستراتيجيات الاجتماعية والاقتصادية الفعالة والإجراءات السياسية الكفيلة بمعالجة الأسباب غير الدينية المعقدة الكامنة وراء العنف - وآثاره غير الدينية أيضا. وإذا كان من الضروري معالجة العوامل الثقافية والعرقية والدينية، فهي ليست الأسباب الرئيسية للبطالة والتهميش.
كما يجب أن تلتزم حكومات بلدان الشرق الأوسط باتباع سياسات جريئة وناجعة لمعالجة رداءة التعليم، وارتفاع معدلات البطالة، وتفشي الفساد، وهي ظواهر تساهم في تأجيج العنف والاضطرابات في المنطقة. وينبغي أن تهدف هذه الجهود إلى تعزيز الديمقراطية، والتنمية الاقتصادية، وتقوية المجتمع المدني ووسائل الإعلام التقدمية. الحل ليس في «أسلمة» كل قضية، لكن بدلاً من ذلك ينبغي إيجاد حلول ووضع سياسات حقيقية تلبي احتياجات المواطنين.
التعليم أمر حاسم للنجاح في المجتمع. لذا يجب أن تصبح المناهج الدراسية أكثر شمولية، تساهم في توسيع معارف الطلاب بالأديان والثقافات. وبشكل أعم، ينبغي أن تجسد المدارس أيضا الفصل بين الكنيسة أو المسجد والدولة - مع حماية الحرية الدينية بشكل صارم - وهذا أمر ضروري سَيُسهم في وضع حد للعنف القائم على أساس الدين في الشرق الأوسط.
وتُلحق أعمال العنف الواسعة النطاق مثل تلك التي تحدث في الشرق الأوسط ضررا مدمرا بالأفراد، وتؤدي إلى تخريب رأس المال، وتُعيق الإنتاجية، وتقوض النمو الاقتصادي. لذا ينبغي معالجة انعكاساتها على الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الفور، دون إغفال مسؤولية وقدرة الدولة على القيام بذلك. ولكن ما دامت الأنظمة الحاكمة تضع المشاكل في إطار ديني أو تسعى إلى إضفاء الصبغة الشرعية على سياساتها باستخدام الخطاب الديني، فإن العنف لن يتوقف.

رئيس مركز شمال جنوب للحوار بين الثقافات والدراسات حول الهجرة في المغرب