الخبير الاقتصادي طلال أبو غزالة في حوار خاص لـ«الشبيبة»: «المعــرفـــــــــــة» لبنـــة اســـتراتيجية لتحقيـــــق التنويـــــع الاقتصادي في السلطنة

مؤشر الأحد ٢٥/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص

مسقط - حمدي عيسى عبدالله تصوير - جون استرادا

أكد رئيس مجموعة طلال أبو غزالة والخبير الاقتصادي العالمي طلال أبو غزالة أن «المعرفة» التي تركز على استعمال تقنية المعلومات والاتصالات لبنة استراتيجية لتحقيق التنويع الاقتصادي في السلطنة، إذ أن تطوير مختلف القطاعات التي تراهن عليها السلطنة لتكون مساهماً فعالاً في الناتج الوطني يجب أن يضع الجانب التقني أولوية مطلقة، لأن التطور التقني يحقق نقلة نوعية ويجعل خطوات التطوير تسير بسرعة مذهلة و»المعرفة» تزداد تجذراً من يوم لآخر في مختلف مجالات الحياة، مبرهنة وبلغة الميدان أنها العمود الفقري لعملية التطور، جاء ذلك في تصريح خاص لـ»الشبيبة» أشاد فيه أيضاً بالخطوات العملاقة التي قطعتها السلطنة في تجسيد الحكومة الإلكترونية والتي تضعها في صدارة المشهد الإلكتروني عربياً وعالمياً، وما يزيد أهمية الإنجاز أن السلطنة لم تركز فقط على توفير منظومة تقنية متطورة بل أيضاً بناء الإنسان التقني ونشر الثقافة الإلكترونية من خلال برامج تدريبية طموحة، مما يجسد رؤية عميقة تستشرف المستقبل وتعمل وفق خطة متوازنة تركز على أدق التفاصيل لتجسد الطموحات على أرض الواقع، مؤكداً أن انخفاض أسعار النفط لم يكن أبداً نقمة بل هو نعمة عظمى لأنه حفز الجميع على الخروج من عباءة النفط الذي لا تعرف أسعاره الاستقرار، والعمل على تطوير القطاعات الأخرى وتحفيزها لضمان اقتصاد متوازن ومردود دائم.

نعمة الركود الاقتصادي

طلال أبو غزالة قال أيضاً: «النفط ليس ثروة دائمة، سينضب يوماً ما، كما أن أسعاره لا تعرف الاستقرار ويخطئ من يظن أنها تخضع للعرض والطلب كما يروج الكثيرون، بل إن أسعار النفط تتحكم فيها المواقف السياسية والقرارات الإستراتيجية. في العام 1979، كانت لي ندوة في غرفة تجارة قطر اخترت لها عنوان «نعمة الركود الاقتصادي»، وأتذكر جيداً أن الكثيرين أصابتهم الدهشة متسائلين كيف يكون الركود الاقتصادي نعمة -وقد برهنت مختلف الأزمات التي شهدها الاقتصاد العالمي أن الركود فعلاً نعمة- فمثلا ركود سوق النفط حالياً حفز مختلف الدول التي تعتمد في اقتصادها على النفط على اتخاذ خطوات ميدانية للخروج من عباءة النفط، وهذا شيء رائع لأن ذلك سيمكنها من بناء اقتصاد متنوع يصمد أمام مختلف الأزمات، فهو لا يعتمد على مصدر واحد، وللركود الاقتصادي عدة نعم أهمها أربعة: الترشيد والعمل على خفض المصاريف وكذلك العمل على إعادة الهيكلة، وزيادة الإنتاجية، إضافة إلى الانتقال إلى منتجات جديدة وكذلك فتح أسواق جديدة.

يعتمد على مسارين أساسيين

وأضاف: «منظومة الحكومة الإلكترونية في السلطنة تجسدت بنسبة كبيرة، وهناك فعلاً جهد وعمل تساهم فيه كل الجهات والكثير من الخدمات تتم الآن إلكترونياً، وهذا شيء رائع مكن السلطنة من احتلال مكانة مهمة في هذا المجال على مستوى المنطقة والعالم، وهي فعلاً خطوة رائعة ورائدة تجسد رؤية تستشرف المستقبل لأن تطوير أي قطاع لن يتحقق إلا إذا كان العمود الفقري لخطة العمل هو تحويل العمل في القطاع إلى النظام الرقمي، فهذا يختصر المسافات والجهد ويمكن من تحقيق نقلة نوعية في زمن قياسي، والرائع في السلطنة أن العمل على تجذير التقنية يعتمد على مسارين أساسيين يكمل أحدهما الآخر ولا يمكن لأي منهما أن يحقق نتيجة لوحده، وهما بناء حكومة إلكترونية عالية الجودة ووفق أحدث التقنيات وكذلك بناء الإنسان الرقمي وتكوينه ليعرف كيف يتعامل مع هذه الحكومة الإلكترونية، فهناك برامج تدريبية كبيرة وكثيرة في مختلف القطاعات ومبالغ تصرف من أجل نشر ثقافة التقنية لأنه لا يمكن للمنظومة التقنية أن تنجح إذا لم يكن هناك من يتقن فن استخدامها والتعامل معها، ولا يمكن للإنسان التقني أن يوظف مهاراته إذا لم يجد أمامه منظومة تقنية متكاملة، وهذه الخطة الوطنية التي اعتمدتها السلطنة للتحول إلى المجتمع المعرفي تسير في الاتجاه الصحيح ويتم تنفيذها بطريقة متوازنة، ونحن نرى الآن نتائج باهرة على أرض الواقع والمقبل أروع بإذن الله.

مصدر واحد للدخل في المستقبل

وتابع طلال أبو غزالة: هناك مصدر واحد للدخل في المستقبل هو المعرفة، وتطوير أي قطاع يجب أن يضع هذا الجانب نقطة جوهرية في خريطة العمل، ما هي أكبر الشركات ربحية في العالم الآن؟ ليست من قطاع النفط ولا من الغاز ولا بنوك أو شركات استثمار، إنها شركات المعرفة، فجوجل أكبر شركة في العالم وكذلك فيسبوك وشركة أبل وغيرها من الشركات التي أبدعها الفكر وتعتمد على تقنية المعلومات والاتصالات وهي شركات لا تحتاج إلى رأسمال كبير أو منشآت في عالم المعرفة، الشركات لا تتحدث عن الملايين لأنها أصبحت مبالغ بسيطة بل الحديث عن البلايين، وتقول الدراسات إنه خلال السنوات العشر المقبلة سيكون أغنى 100 رجل في العالم من قطاع المعرفة.

جهود مبهرة

وعن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قال طلال أبو غزالة: «هي عصب الاقتصاد العالمي والجهود التي تبذلها السلطنة لتفعيل هذا القطاع مبهرة، وهناك دعم وحزمة من الحوافز والتسهيلات، والكثير من الرعاية لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأنا أتابع هذا المشهد بدقة لأنني أعتبر الاهتمام بهذا القطاع ضماناً لبناء اقتصاد متنوع وتوفير فرص العمل للشباب، وكل المؤسسات الكبيرة في العالم كانت ذات يوم مؤسسات صغيرة، وما تحقق في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالسلطنة محفز يؤكد أن العمل يسير في الاتجاه الصحيح، وبالتالي لا شك أن المرحلة المقبلة تتطلب المزيد من العمل والتطوير مع التركيز المطلق على المشاريع التي تعتمد على التقنية، لأنها لا تتطلب رأس مال كبير، وهي سهلة التطبيق، كما أنها تستطيع فرض وجودها في العالم بكل يسر، والسلطنة تعج بالكثير من الشباب المبدعين الذين يحملون أفكاراً لاختراعات ستكون حديث العالم كله لذلك سيكون من المهم جدا تنظيم معرض سنوي للابتكارات العمانية، يبرز فيه الشباب ابتكاراتهم ويستقطب مستثمرين محليين وعالميين يبحثون عن هذه الأفكار لتبنيها والاستثمار فيها، وهذا ما سيمكن الشباب من ترجمة أفكارهم واختراعاتهم على أرض الواقع ليغزو بها السوق العالمية.

رؤية مدروسة وخطوات متوازنة

ورأى أن: «هناك خطة طموحة اعتمدتها السلطنة لتحقيق التنويع الاقتصادي، وهذا ما سيتجسد على أرض الواقع لأن العمل يتم وفق رؤية مدروسة وبخطوات متوازنة ولا شك أن القطاع السياحي سيكون أحد أهم القطاعات التي سيكون لها شأن كبير في هذا المجال، لأن السلطنة حباها الله بمقومات استثنائية، ومع المشاريع العملاقة التي تنفذ في هذا القطاع منها مطار مسقط الدولي الجديد ومجموعة من الفنادق الضخمة والمنشآت المتنوعة فإن قطاع السياحة سيحقق نقلة مذهلة، كما أن القطاع الزراعي والسمكي سيكون أحد أهم روافد الاقتصاد العماني مستقبلاً إلى جانب قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولا شك أن التركيز على رقمنة هذه القطاعات ليكون العمل فيها إلكترونياً خالصاً سيكون أحد أهم عوامل نجاحها، وكلما كان الاعتماد على التقنية أكبر كلما كان النجاح أضمن لأن العمل الإلكتروني يوفر الكثير من الجهد والوقت ويختزل المسافات.

التعليم التقني ضرورة حتمية

طلال أبو غزالة قال أيضاً: الاعتماد على التعليم التقني ضرورة حتمية والمستقبل سيفرض هذه النوع من التعليم وإذا كانت الدول العربية ليست مهيأة في الوقت الراهن لاعتماد التعليم التقني إلا أنها مجبرة على التخطيط لهذا المجال والعمل على تنفيذه الآن.

فـ»التعليم التقني ينتشر بسرعة في العالم وإذا كنا نعتمد على الشهادات والبرامج التعليمية لأرقى جامعات العالم فإنه من المهم أيضاً أن نعتمد على نظامها التعليمي التقني، لأن هناك نقطة مهمة جداً، فهناك جيل تقني صاعد يرضع لبن أمه وهو يلهو بلوح إلكتروني، هذا الجيل لن يستوعب الدراسة بالطريقة التقليدية، بل سيبحث عن التعليم التقني لذلك يجب استباق الزمن والتحضير المدروس لهذا الموضوع، ومن أهم قرارات جامعة الدول العربية اعتماد عقد 1016 - 2026 لمحو الأمية، وقد شكل لذلك فريق عمل يضم في صفوفه مجموعة طلال أبو غزالة يعمل على تحقيق الأهداف المسطرة بخطة تعتمد على ثلاثة محاور: وهي اللغة العربية، ولغة التكنولوجيا والثقافة ونحن في مجموعة طلال أبو غزالة قطعنا شوطاً كبيراً في هذا التعليم الرقمي إذ أن جامعة طلال أبو غزالة الرقمية لا يوجد فيها فصول ولا كتب، كل شيء يتم إلكترونياً وقد حققنا نتائج باهرة».

عصر النهضة العربية

طلال أبو غزالة اختتم حديثه قائلاً: «يجب على الشباب أن يتعلم التحدي والعمل بجد ويلغي المستحيل من قاموسه، ويدرك جيدا أن المعاناة نعمة وليست نقمة لأنها تحفزه على بذل كل جهده للوصول إلى الهدف المنشود، فأنا مثلاً حينما وصلت إلى المرحلة الجامعية بلبنان كانت هناك منحة واحدة من الأونروا تعطى للأكثر تفوقاً، وأنا إمكانياتي لا تسمح لي بدفع مصاريف الدراسة، وبالتالي كان لا بد أن أتفوق على الكل لأحصل على المنحة، فبدونها لا يمكن لي أن أدرس، وقد تحديت نفسي أولاً، والكل ثانياً وفزت بالمنحة عن جدارة واستحقاق، وأنا أتطلع إلى المستقبل بكل تفاؤل، إذ يجب أن نخرج من مرحلة الإحباط وأرى أن العام 2017 سيكون بداية الدخول في عصر النهضة العربية والعالم سينتقل من القطب الواحد إلى أقطاب متعددة».

1

المرتبة التي تحتلها شركات قطاع المعرفة في العالم متفوقة على كل القطاعات الأخرى بما في ذلك النفط.

3

محاور يركز عليها عقد محو الأمية 2016 - 2026 الذي اعتمدته جامعة الدول العربية وهي اللغة العربية ولغة التكنولوجيا والثقافة.

4
فوائد للركود الاقتصادي وهي الترشيد وخفض المصاريف وكذلك إعادة الهيكلة وزيادة الإنتاجية والانتقال إلى منتجات جديدة وكذلك فتح أسواق جديدة.

100
أغنى رجل في العالم خلال السنوات العشر المقبلة سيكونون من مسؤولي الشركات العاملة في قطاع المعرفة.