بقلم : علي المطاعني
تعد زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- إلى دولة قطر الشقيقة تتويجاً للعلاقات العمانية القطرية التي تشهد تطوراً ملحوظاً على العديد من المستويات والأصعدة، لاسيما الاقتصادي، حيث قفز حجم التبادل التجاري بين الشقيقتين إلى أكثر من 6.8 بليون ريال في 2018م مسجلا نموا بلغ 240%، وهو ما يعكس عمق العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين، ويترجم الروابط والمصالح المتبادلة، فضلا عن الرؤى المشتركة في المواقف السياسية تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وتطابق وجهات النظر في الكثير من المسائل الثنائية والإقليمية المهمة.
مما يشكل انطلاقة كبرى تبنى على هذه العلاقات، وتجعل من هذه الزيارة خطوة أخرى نحو تعزيز هذه العلاقات المتينة، ودافعا قويا نحو مستويات أكبر، تعكس طموحات قيادة البلدين وتطلعات الشعبين إلى ما هو أكبر، لخدمة أبناء البلدين التواقين إلى مرحلة مفصلية من العلاقات والشراكات الإستراتيجية الهادفة إلى المزيد من التعاون وتبادل المصالح.
وما يثلج الصدر أن الزيارة السامية تعد الأولى لجلالته لدولة قطر، والثانية على المستوى الإقليمي والدولي بعد زيارة المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يعكس الأهمية التي تمثلها هذه الزيارة وما تعنيه بالنسبة للسلطنة حكومة وشعبا، واللذين يسعيان إلى بلورة تلك العلاقات المتينة نحو تعاون بناء في العديد من المجالات.
ولاشك أن دولة قطر الشقيقة وشعبها الأصيل يكنان للسلطنة الكثير من المحبة بسبب مواقفها الصائبة من الأزمات التي شهدتها المنطقة، ووقوفها دائما مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واعتقد أن لتلك المواقف العمانية تقديرا خاصا من من جميع دول مجلس التعاون فموقف السلطنة كان متمسكا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والدعوة إلى تغليب لغة الحوار لحل أي أزمة بين دول المنطقة.
فهذه المواقف أنقذت المنطقة من أزمة كادت أن تودي بكياناتها وتؤزم الأمور إلى مستويات أكبر مما شهدته، ولقد كانت لتلك المواقف العمانية الثابتة أثرها في تعديل مسار العلاقات الثنائية والمشتركة بين الأشقاء وإفشال كل الخطوات التي تزعزع العلاقات وتتيح التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأعتقد أن هذه المواقف العمانية وجدت التقدير الكبير من دول مجلس التعاون، وهو ما يجب أن يبنى عليه في بلورة العلاقات الثنائية في المستقبل خاصة في الجوانب الاقتصادية، التي تعد طريق البلدان نحو التنمية الشاملة المستدامة.
ومن حسن الطالع أن العلاقات الاقتصادية بين السلطنة ودولة قطر الشقيقة قد شهدت قفزات في الفترة الأخيرة، إذ أن حجم التبادل التجاري بين البلدين زاد في الفترة من 2013 إلى 2018 وفق الإحصائيات بنسبة 40% وتجاوز التبادل التجاري في عام 2018م حاجز البليون ريال عماني، حيث شكلت الصادرات العمانية نموا ملحوظا سجل نحو 78 بالمائة، بل إن التبادل التجاري ارتفع من بليوني ريال خلال عام 2016 إلى 3.8 بلايين ريال في عام 2017م، ووصل إلى 6.8 بليون ريال في العام 2018م مسجلا نموا بلغ حوالي 240 بالمائة، فضلا عن أن عدد الشركات القطرية العاملة في السلطنة في مجالات الاستثمار بلغ 350 شركة.
وكل ذلك يدلل على أن مجالات التعاون الاقتصادي الذي يقود مسارات التعاون بين الدول في هذه المراحل كبيرة، ويمكن أن تتطور إلى الأفضل، بالاستفادة من الأرضية الصلبة التي تقوم عليها هذه العلاقات، والاستفادة من المزايا والتسهيلات المتوفرة التي تسعى حكومة البلدين إلى تجسيدها لدعم الاستثمارات المشتركة، وتسهيل فرص العمل لمستثمرين من كلا البلدين، وإعطاء أفضلية في التبادلات التجارية والتعاملات البينية، مما يفرض على القطاع الخاص في السلطنة ودولة قطر إيلاء المزيد من الأهمية للتعاون الاقتصادي، وفتح آفاق أوسع للاستثمارات والتبادلات التجارية بين البلدين.
ويعكس وفد السلطنة برئاسة جلالة السلطان طبيعة الزيارة الاقتصادية على ما يبدو، وفقا لطبيعة العلاقات بين الدول التي تغلب عليها المصالح كأساس للتعاون والانتقال بالعلاقات من الوشائج والروابط الأخوية إلى تبادل المنافع المشتركة التي تخدم البلدين والشعبين الطامحين إلى تجسيد تلك العلاقات على أرض الواقع، بالمزيد من الخطوات الهادفة إلى المواطنة، وأفضلية التعامل وغيرها مما يجب أن تبلوره الحكومات في المرحلة المقبلة لاستدامة العلاقات الأخوية وفق أسس اقتصادية متنية، تربط أكثر من الأسس العاطفية التي لم تعد اليوم تشكل أهمية في عالم المصالح المتبادلة.