محاكاة سياسية من هوليوود

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٢/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٥:٥٧ ص
محاكاة سياسية

من هوليوود

نينا خروشوفا

يبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مصمم على إعادة إحياء الأسلوب المنسي لهوليوود: ميلودراما جنون الشك. ربما أعظم فيلم يمثل هذا الأسلوب هو فيلم المرشح المنشوري وهو فيلم يتعلق بمؤامرة شيوعية تستخدم إبن عائلة يمينية كبيرة وذلك عن طريق غسل دماغه للانقلاب على النظام السياسي الأمريكي، ونظراً للود الذي يحمله ترامب والعديد من الأشخاص الذي عينهم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإن الحياة ستصبح مثل الفن إن لم تتجاوزه.

في واقع الأمر فإن الجاذبية التي يتمتع بها بوتين لدى ترامب ووزير الخارجية المعين ريكس تيليرسون ومستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين هي ليست نتيجة لغسيل دماغ إلا إذا اعتبرت أن حب النقود (والناس الذين يمكن أن يوجهوا تلك النقود إليك) هو نوع من غسيل الدماغ ولكن مهما يكن من أمر فإن مثل هذا الحب للكرملين -وهي كلمة تفوح منها جنون الشك من حقبة الحرب الباردة- لا يتوافق مع القيم الأمريكية.

أنظر للاحتقار الذي أظهره ترامب وأتباعه لتقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية بأن الهاكرز الذين يعملون لمصلحة الكرملين قد تدخلوا في الانتخابات الشهر الفائت لمصلحة ترامب وكالعادة لجأ ترامب لإطلاق وابل من التغريدات ينتقد فيها وكالة الاستخبارات الأمريكية كونها بطريقة أو بأخرى تحت سيطرة خصمه المهزوم هيلاري كلينتون. أما مرشحه لنائب وزير الخارجية جون بولتون فلقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن قرصنة اللجنة الوطنية الديمقراطية ورئيس حملة كلينتون جون بوديستار هي عملية سرية خادعة تستهدف تشوية سمعة الكرملين البريء.
إن فكرة أن يقوم رئيس أمريكي منتخب بتصديق الكرملين عوضاً عن تصديق مسؤولي وكالة الاستخبارات الأمريكية وحتى كبار أعضاء حزبه هي فكرة غريبة وخطيرة ولكن الترشيح المتزامن لتيليرسون -الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل لفترة طويلة علما أن الشركة هي أقوى شركة طاقة في أمريكا والتي استثمرت عشرات البلايين من الدولارات في روسيا- ليصبح الدبلوماسي الأول في أمريكا يعني أن ترامب قد أخذ قصة حبه لخصم رئيسي لمستويات غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي.
بالنسبة لتيليرسون فإن دعم روسيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية ليس أمرا جديدا بالنسبة له فلو نظرنا للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على روسيا ردا على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم -عمل غير قانوني صريح- سنة 2014 لوجدنا أنه عوضا عن دعم السياسة الأمريكية قلل تيليرسون من شأنها وبدلا من الالتزام الكامل بدعوة الرئيس باراك أوباما لإكسون موبيل بعدم إرسال ممثل عنها للمنتدى الاقتصادي السنوي العالمي في سانت بيترسبرج بعد الضم قام تيليرسون بشكل ساخر بإرسال رئيس أحد العمليات الدولية لإكسون موبيل وعوضا عن إعادة وسام الصداقة الذي تلقاه من بوتين قبل أشهر من غزو شبه جزيرة القرم، يستمر تيليرسون بالاحتفاء بوضعه كصديق لفلاديمير.
إن فلين مثل تيليرسون هو أيضا كان يستفيد من الكرملين فبعد أن قام أوباما بفصله بسبب إدارته الفاشلة لوكالة استخبارات الدفاع، بدأ فلين على الفور بتطوير علاقاته التجارية في روسيا ويبدو أن بوتين كان سعيدا جدا برؤية الأبواب التجارية تفتح لفلين وهناك صورة سيئة الذكر لفلين وهو يجلس إلى جانب بوتين في مأدبة لمحطة روسيا اليوم وهي الشبكة الإخبارية التي يدعمها الكرملين علما أن هذه المحطة كانت المصدر الرئيسي للإخبار المنحرفة وحتى الكاذبة التي كانت تتدفق على الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.
بالنسبة لترامب فإن تصريحات إبنيه توحي بأنه لو تسنى للشعب الأمريكي النظر إلى بيانات الضرائب الخاصة به وقروضه التجارية لوجدوا أنه هو أيضا استفاد من الكرملين لبعض الوقت فمما لا شك به أنه تلقى أموالا من عدد غير محدد من الاوليجاركيين الروس ففي سنة 2008 قام ببيع أحد قصوره في بالم بيتش لديمتري دايبولوفيلف وهو أوليجارك متخصص في الأسمدة مقابل 95 مليون دولار أمريكي ويقال إن سيرجي ميليان والذي يترأس غرفة التجارة الروسية الأمريكية هو الذي قام بتسهيل عمل استثمارات لا تعد ولا تحصى من الروس في مشاريع ترامب وبالنسبة لترامب لا توجد أموال مشبوهة لدرجة أنه لا يمكن أن يضعها في جيبه.
إن إعجاب ترامب بروسيا أو بشكل أكثر دقة بالثروات الروسية كان واضحا قبل أن يتوجه الأمريكان لصناديق الاقتراع بوقت طويل كما كان واضحا أنه أحاط نفسه بمستشارين على نفس شاكلته فلمدة أشهر كان يدير الحملة الرئاسية لترامب بول مانافورت وهو ناشط سياسي عمل من أجل تحقيق نصر لرئيس أوكرانيا المخلوع فكتور يانكوفيتش خلال الحملة الرئاسية الأوكرانية سنة 2010 ولقد قطع ترامب علاقاته العلنية بمانافورت فقط عندما كشفت الحكومة الديمقراطية الحالية في أوكرانيا عن وثائق تشير إلى ملايين الدولارات التي دفعها يانكوفيتش لمانافورت نقدا.
وبينما يقترب موعد حفل تنصيب ترامب فإن على الأمريكان مواجهة ثلاثة أسئلة رئيسية. إن السؤال الأول يشبه إلى حد ما السؤال الذي طرحه ترامب عن كلينتون خلال الحملة الانتخابية وهو ما الذي سيحصل لو كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن أدله تثبت قيام الرئيس بتصرف إجرامي؟ أو ربما السؤال الأكثر احتمالية في حالة ترامب ما الذي سيحصل لو حاول الرئيس إنهاء تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي المتعلقة بنشاطاته التجارية التي تضم روسيا أو أفعال مناصريه من أمثال مانافورت؟
إن السؤال الثاني الذي يجب أن يطرحه مجلس الشيوخ الأمريكي قبل تثبيت تيليرسون في منصب وزير الخارجية يتعلق بمدى مصالحه المالية ومصالح أكسون موبيل في روسيا كما يجب على مجلس الشيوخ أن يبحث مدى التعاون بين تيليرسون وايغور سيتشين رئيس شركة روسنيفت وناشط سابق سيء السمعة في الاستخبارات السوفياتية الكي جي بي وخاصة في مجال إعادة تأميم الكثير من صناعة النفط الروسية ووضعها تحت السيطرة الشخصية لسيتشين. (يجب توجيه أسئلة مماثلة عن فلين ولكن نظرا لأن مستشار الأمن القومي لا يحتاج لأن يتم تثبيته من قبل مجلس الشيوخ فإنه لا يوجد الكثير الذي يمكن عمله فيما يتعلق بتعيينه). إن أكبر تلك الأسئلة يتعلق بالشعب الأمريكي فهل هم حقا راغبون في قبول رئيس يدين الرجال والنساء الذين يخاطرون بحياتهم للدفاع عن أمريكا ويسارع كذلك لكيل المديح لبوتين والدفاع عنه وعن المقربين له عندما يتم الكشف عن أفعالهم المتهورة وحتى الإجرامية؟

في نهاية فيلم المرشح المنشوري تهرب شخصية أخرى تعرضت لغسيل دماغ -شخصية ماركو والتي لعبها الفنان فرانك سيناترا- من البرمجة التي تعرض لها من أجل التصدي للمؤامرة الشيوعية ولكن هذا الفيلم يمثل هوليوود إبان الحرب الباردة وبالطبع فاز الرجال الأخيار ولكن من غير المرجح أن ينتهي فيلم ترامب على خير.

أستاذة الشؤون الدولية والعميد المساعد

للشؤون الأكاديمية في جامعة نيوسكول
وكبير زملاء معهد السياسة العالمية