براكين الشرق الأوسط أمام ترامب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٨/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٥:٤٢ ص
براكين الشرق الأوسط أمام ترامب

كريستوفر هِل

من السمات المميزة لعملية انتقال الرئاسة في الولايات المتحدة إجراء استعراض شامل للسياسات، والذي يهدف إلى تحديد أي السياسات ينبغي الإبقاء عليها وأيها يجب إلغاؤها أو تغييرها. ومع اقتراب الرئيس المنتخب دونالد ترامب من تولي منصبه رسميا، فإنه يبدو متلهفا على إجراء تغييرات عديدة - وقد يكون بعضها أكثر إيجابية من غيرها.

ويبدو أن بعض سياسات الولايات المتحدة لن تحظى حتى بالفرصة لعرض قضيتها في المحكمة. فيبدو أن مصير اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تتألف من 12 دولة بات مختوما بالفعل، مع تأكيد ترامب على اعتزامه اتخاذ القرار بتجميد البت في هذه الاتفاقية - التي أبرمت ولكن لم يصدّق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي- في أول يوم له في منصبه. وهو أمر مؤسف؛ لأن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ كانت لتحُدِث ثورة في مجال حقوق الملكية الفكرية فضلاً عن تعزيز الشفافية إلى مستويات غير مسبوقة، وخفض الرسوم الجمركية والحواجز غير الجمركية. ولكن يبدو أن ترامب من غير المرجح أن يتراجع عن هذا المسار.

ولكن في مجال آخر بالغ الأهمية، سيكون التغيير من قِبَل إدارة ترامب المقبلة موضع ترحيب: إنه الشرق الأوسط. الواقع أن النهج التدريجي في التعامل مع هذه المنطقة والذي سلكته الإدارتان الأخيرتان في عهد جورج دبليو بوش ثم باراك أوباما يعني أن الولايات المتحدة فشلت في مواكبة الأحداث هناك.
فقد ترددت إدارة أوباما بشكل خاص في كثير من الأحيان في توسيع دورها، تحسبا لوقت حيث تصبح الولايات المتحدة غير مستغرقة في المنطقة التي «أنتجت من التاريخ أكثر مما استهلكت»، على سبيل الاقتباس من مقولة ونستون تشرشل عن البلقان. بيد أن أوباما يفهم قيمة الحفاظ على موقف ثابت في العراق - وهو الأمر الذي يفشل منتقدوه في إدراكه غالبا.
الحقيقة هي أن بوش، بعد أن أغرق الولايات المتحدة في الحرب في أفغانستان والعراق، هو الذي وَقَّع في عام 2008 على اتفاقية وضع القوات التي حددت ثلاث سنوات لسحب قوات الولايات المتحدة بالكامل من أراضي العراق. وما كان الساسة العراقيون ليوافقوا على تأجيل ذلك الموعد النهائي وفقا لشروط يمكن تبريرها للشعب الأمريكي. ولا يملك المرء إلا أن يتخيل ردة فعل الكونجرس الأمريكي، بما في ذلك الأعضاء الذين كانوا يريدون الإبقاء على قوات الولايات المتحدة في العراق ما دامت باقية في ألمانيا أو اليابان، لو وافقت إدارة أوباما على المطالب العراقية بإخضاع القوات الأمريكية للنظام القضائي العراقي.
لم يترك كل هذا لإدارة أوباما أي خيار غير سحب القوات الأمريكية - وتحمّل اللوم عن كل ما ترتب على ذلك. والواقع أن الصراعات في المنطقة تصاعدت منذ إتمام الانسحاب، وانزلقت مساحة متزايدة الضخامة من المنطقة إلى الصراع.
ويتعيّن على ترامب وفريقه أن يفكروا الآن بحرص حول ما حدث في الشرق الأوسط، وما يمكن القيام به حيال ما حدث. ولن يتطلب هذا دراسة التحديات التي تواجه المنطقة بالكامل مثل التطرف فحسب، بل يحتاج الأمر أيضا إلى دراسة متأنية للسياسات الثنائية.
ولنبدأ هنا باستمرار تصدير التطرف من شبه الجزيرة العربية، وهي القضية المعقدة. ففي حين كانت الجماعات المتطرفة تتلقى التمويل من شبه الجزيرة العربية تقليدياً، فليس من الصواب من الناحية السياسية اتهام بعض دول الجزيرة العربية باحتضان كل ما هو شرير في الشرق الأوسط، ومعاقبتهم وفقاً لذلك. ورغم أن الولايات المتحدة تتمتع الآن بقدر أكبر من الاكتفاء الذاتي من الطاقة، بفضل الزيت والغاز الصخريين، فإن هذا لا ينطبق على حلفائها في أوروبا. فهل يصب موقف أكثر تشددا تجاه بعض دول الخليج حقا في مصلحة أمريكا؟
ليس من الحكمة أيضا إلقاء اللوم على الشيعة - الذين هم الضحية في نواح كثيرة - عن الهجوم الضاري من قِبَل التطرف. فلعل الزعيم العراقي الصارم نوري المالكي، الذي فاز بثلاث فترات متوالية في منصب رئيس الوزراء، لم يتواصل بالقدر الكافي مع الطوائف الأخرى في البلاد، ولكن هذا مجرد سبب واحد وراء استمرار التطرف في العراق. ويتخلص سبب آخر في أن بعض عناصر الطوائف في العراق رفضت قبول وضعها باعتبارها المجموعة الطائفية الوحيدة في الشرق الأوسط العربي التي تعيش في أظل أغلبية طائفية أخرى.
ثم هناك سوريا التي تمثل الآن نقطة الانفجار الرئيسية للديناميكيات الاجتماعية والسياسية المعقدة في المنطقة. والحرب الأهلية التي تدور رحاها هناك ليست مسألة دكتاتور لا يرحم يعمل على قمع تطلعات المعارضة الديمقراطية الفِكر فحسب؛ بل هي في واقع الأمر صراع متعدد الجوانب، حيث لم يَعُد تحديد «الأخيار» بالمهمة السهلة.
من المؤكد أن تنظيم (داعش) هو عدو الشعب رقم واحد، وهكذا اعتبره ترامب بالفعل. ولكن التوصل إلى كيفية القضاء على داعش ليس فقط في الموصل، بل وأيضا في مختلف أنحاء العالم، سوف يتطلب نهجا مدروسا ودقيقا. ولا يبدو أن فريق الأمن القومي لدى ترامب يفهم هذا.
وعلاوة على ذلك، لن يكون إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش سوى خطوة أولى. إذ يتعيّن على إدارة ترامب أن تتعامل أيضا مع الجهات الخارجية المتورطة في سوريا. على سبيل المثال سوف تحتاج إلى انتهاج سياسة فعّالة تجاه تركيا، الدولة العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي التي تحركها مصالح قوية في سوريا - المصالح التي تتعارض في بعض الأحيان مع المصالح الأمريكية. وفي وقت حيث تترنح الديمقراطية التركية، ويصبح قادتها أقل اهتماما بالانتماء إلى أوروبا والأطلسي من إعادة التأكيد على مطالبات عمرها قرن من الزمن في الشرق الأوسط، سوف تحتاج الولايات المتحدة مرة أخرى إلى تبنّي نهج يتسم باللباقة.
ثُم هناك إيران. فهل يُفضي التراجع عن الاتفاق النووي مع إيران، كما يطالب العديد من أنصار الإدارة الأمريكية الجديدة، إلى انفراج الأزمة في الشرق الأوسط؟ صحيح أن إيران قد لا تقدم الكثير على طريق التوصل إلى أي حلول؛ ولكن إذا تخلت عنها الولايات المتحدة، فربما تتسبب بسهولة في تفاقم الاضطرابات في المنطقة.
وسوف يكون لزاماً على الولايات المتحدة أيضاً أن تعيد النظر في سياستها تجاه مِصر، التي كانت حتى وقت قريب تقدم إسهامات مهمة في الجهود الدبلوماسية في المنطقة. والواقع أن جزءا كبيرا من أمن إسرائيل يستند على مِصر التي تدعم عملية السلام مع الفلسطينيين. وبرغم أن هذه العملية قد تبدو شديدة التعثر الآن، فإن الحيز المتاح لمزيد من التدهور لا يزال وفيرا.
كثيراً ما أكدت إدارة ترامب على خططها الرامية إلى الانغلاق على الذات، والتركيز على السياسة الداخلية ووضع أمريكا أولاً في السياسة الخارجية. ولكن ترامب لن يكون قادراً على تجنب الاضطلاع بدور فاعِل في الشرق الأوسط. ولا نملك إلا أن نتمنى أن يكون ذلك الدور إيجابياً بنَّاءً.

مساعد وزير الخارجية الأمريكية الأسبق لشؤون شرق آسيا.