الوجه الأسود لكاسترو

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٥/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الوجه الأسود لكاسترو

لميس ضيف

في الوقت الذي طأطأ كثير من محبي المناضل فيدل كاسترو رؤوسهم حزنا على رحيله. كان الآلاف من الكوبيين في ميامي يرقصون في الشوارع فرحا برحيله، مطبلين على الأواني وهاتفين بشعارات الحرية، فكاسترو الذي وقف شامخا في وجه عشرة رؤساء أمريكيين، وأحبط أكثر من 600 محاولة اغتيال كان شخصا محبوبا -ومكروهاً- بالقدر ذاته، ولن تكون عظيما حتى يختلف الناس من حولك كما قال أرسطو.
حقيقة أنه كان متسلطا، وحقيقة أنه، وبعد إسقاطه للديكتاتور فولجينسيو باتيستا عام 1953، وعد بانتخابات ديمقراطية حرة لم تر النور على مدار سنوات حكمه الـ49 ! وواقع أنه سلم الحكم لأخيه راؤول عندما أقعده المرض عوضا عن ترك الخيار للشعب. وحقيقة وجود مزاعم قوية أنه قد خان رفيق دربه تشي جيفارا وتسبب في قتله، كل تلك وقائع، فضلاً عن شراسته مع معارضيه، غابت عن عين محبيه وشخُصت في وجدان مناوئيه، وإن ما حصحص الحق فـ "كلنا كالقمر لنا جانب مظلم" كما قال فولتير، ويشمل ذلك المناضلين وأصحاب المبادئ أيضا.
لم أحب الناس حول العالم كاسترو رغم كل ذلك؟
ربما أحبوه لأنه انحاز للفقراء والمطحونين، رغم أنه كان سليل عائلة إقطاعية لها ثقلها في المجتمع الكوبي، ربما أحبوه لشجاعته في مواجهة سلفه الديكتاتور، أو ربما كان مرد إعجاب الناس به حقيقة أنه رفض أن تكون بلاده ملهى رخيصاً تابعاً للولايات المتحدة، وتحدى الغطرسة الأمريكية مرة بعد مرة، وأخرج بلاده من القبضة الإمبريالية وأسس اقتصاداً مستقراً، وتعليماً متفوقاً رغم الحصار الذي فرض عليه لعقود ممتدة.
أو ربما يكن الناس له هذا التقدير لأنه ورغم سلطته المطلقة، لم يسكن القصور ولم يعش البذخ الفاحش وظل وفيا لقيمه الاشتراكية التي تجاوزها الزمن.
يكن الناس نوعاً من الاحترام لأولئك الذين يقدسون مبادئهم -أيا كانت هي- فالمرء دون مبدأ بالون مجوف تميل به الرياح كيفما اتفق.
رحم الله كاسترو.. آخر الثوار المحترمين من المخضرمين. لا أعرف إن كان العالم مازال قادراً على إنتاج ثوار بحجمه ولكني آمل أن يكون قدوة لهم في إيجابياته ودرساً لهم في سلبياته. فالتاريخ سيذكر كاسترو كنصير للفقراء، وكقامع للحريات والآراء على القدر ذاته.