هروب الاستثمارات .. والمناخ الآمن

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٢/يونيو/٢٠٢١ ٠٨:٢٣ ص
هروب الاستثمارات .. والمناخ الآمن

بقلم : محمد محمود عثمان

شهدت الأسواق المالية في العامين الأخيرين صدمة كبيرة في مجال الاستثمارات التي أثرت بشكل واضح على الوضع الإقتصادي وخطوط الإنتاج وفرص العمل والتبعات والإلتزامات المالية؛ وعلى المستثمرين في كل المناطق التنموية والحرة والصناعية مما أدى إلى ارتفاع سقف مطالبات الحكومات بتقديم حوافز جديدة تتضمن تسهيلات لتشغيل الأيد العاملة وجلب أصحاب المهارات والخبرات الفنية التي تحتاجها أسواق العمل وتدعم قطاعات الإنتاج المختلفة وتسهم بفاعلية في دورات عجلة الاقتصاد ، بالإضافة إلى تقليص الرسوم والضرائب في القطاعات الأكثر حاجة لها في زمن الأزمات، وتوفير النظم الإلكترونية لإنجاز معاملات المستثمرين عن بُعد ، وتخفيض أسعار الفائدة لتجاوز تلك الأزمة، ولضمان استدامة محركات الاقتصاد في مواجهة التحديات التي تفرضها المتغيرات العالمية على الأرض ، خاصة أن المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي تحذر من أن وباء كورونا يدفع بالاقتصاد العالمي في اتّجاه ركود عميق ، مع توقعات تراجع الناتج العالمي بنسب متفاوتة ، وتحقيق خسائر للاقتصاد العالمي تقدر بأكثر من 10 أو 12 تريليون دولار خلال عامين بسبب كوفيد-19، في وقت فُرضت فيه إجراءات إغلاق في معظم دول العالم أملا في احتواء الوباء والمحافظة على أنظمة الرعاية الصحية من الانهيار.

ولا شك أن ذلك يخلف نوعا من عدم الاستقرار والخوف من تأخر زمن التعافي الذي ينشده الجميع للمحافظة على استمرار الاستثمارات القائمة ومنعها من الهروب بحثا عن مناخ أو ملاذ أكثر أمنا واستقرارا، الأمر الذي يتحول معه بعض أسواق العالم إلى مناطق طرد للاستثمار خاصة تلك التي تموج بالتغيرات السريعة للتشريعات والقوانين المنظمة لأسواق العمل وأسواق المال ، التي تعاني من الرؤية الضبابية التي تحول دون الوصول إلى الحلول الناجعة على أرض الواقع والتي تعاني أكثر من كثرة التشريعات والإجراءات ، التي تعد ضرورية ، ولكن علينا أن نتخير الزمن والوقت الملائم لتطبيقها، حتى لا تأتي بنتائج عكسية ،خوفا من ان يجري الطبيب المعالج العمليات الجراحية لمريض منهك في وقت واحد بدون مراعاة قدرته الصحية على تحمل الجراحات الضرورية والعاجلة ،لذلك من الضروري الا يتدخل مبضع الجراح ليزيد الجسد المريض ايلاما، ولكن ليقدم العلاجات والمقويات والمحفزات التى تساعده على النهوض والصمود امام الجائحة أولا، لتحقيق سرعة التعافي الاقتصادي ، على أن تتم بعدها العمليات الجراحية المطلوبة ولكن على مراحل، لان اسواق الاستثمار واسواق العمل حساسة جدا ، وتحتاج الى الاستقرار النوعى في مواجهة التغيرات والتشريعات المنظمة لذلك ، والتى لابد ان تتم ولكن في وقت لاحق، وهذا يحتاج إلى عقليات إدارية واعية تستوعب الموقف حتى نصل الى التعافي المنشود ونخرج بسلام من هذا الوباء، من خلال مواصلة العمل سواء في التجارة أو الصناعة أو الأسواق المالية، واستمرار تقديم حوافز أكبرللمستثمرين والمصنعين ومستثمري الأسواق المالية، لشجيعها على الاستمرار لتحقيق نقطة التعادل، والخروج بخسائر أقل ، وصولا إلى الربحية وتعويض الخسائر، في ظل مناخ آمن لاستمرار عمل مصانعها وشركاتها ، وهذا يعطي جاذبية أكثر للاستثمارات الأجنيبة التي تساعد في المدى القريب وعلى البعيد في توفير فرص العمل وتشغيل شبابنا العاطل عن العمل وخاصة فيما بعد مرحلة الكورونا القاسية.

لذلك علينا أن نتوخى الحذر من اتخاذ قرارات متسرعة في ظاهرها المصلحة العامة ولكن في جوهرها تؤدي إلى هروب الاستثمارات وإغلاق المصانع والتحول إلى مناطق أخرى، وهذه ظاهرة ليست جديدة أوغريبة على الواقع الاقتصادي،خاصة في المناطق الساخنة أو المضطربة، فالاستثمارات تطرق دائما أبواب الآمنين المستقرين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، لأن القرارات والإجراءات قصيرة النظر ترسم صورة غير إيجابية أمام الاستثمارات الأجنبية ،التى تحتاج إلى وجود سوق عمل حر ناضج ومستقر وثري بالخبرات والكفاءات الفنية والإدارية المحلية والأجنبية ، ومدرك لأهمية تفعيل آليات السوق والعرض والطلب التي تضمن حرية انتقال رؤوس الأموال والعمال وفق القوانين والمواثيق الدولية المعنية بحقوق العمال المهاجرين وأسرهم ،التي توفربيئة تشريعية وقانونية واقتصادية متميزة ومحفزة ومتوافقة مع الاتفاقيات والمعايير الدولية ، وفوق كل ذلك تحقيق الالتزام الحقيقي بكل تلك العناصر التي تحفز المناخ الاستثماري الذي يعد من الضمانات الأساسية للثقة في الاقتصاد ، ولجذب الاستثمارات واستقرارالمنظومة الاقتصادية ،لأن الكثير من المصانع والشركات الاستثمارية المحلية والأجنبية إذا صادفت عائقا من ذلك ، أوحتى تخوفت منه ، فإنها تسرع بالهروب إلى الملاذ الاستثماري الآمن في أي مكان في العالم.