الثقافة والمجتمع والسلوك

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٥/مايو/٢٠٢١ ٠٩:٢٤ ص
الثقافة والمجتمع والسلوك

بقلم : محمد الرواس

«الثقافة بالمجمل تمثل اساليب الأفكار التي تجمع الافراد من خلال طبائع معرفية تشكل في النهاية هوية الدولة والمجتمع وأبعادهما الاجتماعية «

«اليوم يمكننا من خلال مشاهداتنا لمجتمعاتنا العُمانية الاصيلة ذات الخلفيات الثقافية الراسخة أن نؤكد على عمق العلاقة بين الشخصية والثقافة المجتمعية ذات السلوك الاجتماعي القويم ، مع وجود تلاؤم وتوافق في العلاقات -ولله الحمد- بين الفرد وأسرته والمجتمع»

لا شك أن ما نشاهده اليوم من تغيير في بعض ثقافات الشعوب من خلال تضارب مصالحها مع الآخرين ، وتغير أهداف وقيّمها من أجل السعى وراء الانجازات الكبرى يجعل بعض هذه الثقافات على المحك اليوم ، وقد يزيد من عنائها ما ستفقده مجتمعاتها من الكثير من مضامينها الاجتماعية ، وارصدتها المعرفية ، وابداعاتها الفكرية والادبية والدينية ، وبجانب فقدان ثمرة نشاطها الفكري الذي حققته خلال اجيال فائتة ، وحينها تتفكك روابطها المجتمعية ويشوب هذه المجتمعات التصرفات الخاطئة التي هي بعيده كل البعد عن موروثاتها الثقافية وسلوكياتها الإنسانية التي اكتسبتها وتوارثتها.

ولقد اتفق علماء الاجتماع على أن الثقافة المجتمعية هي جملة ما توصلت الية أمة ما وانتجه فكرها وادبياتها ، ورسخته قيّمها ، وعبرعنه سلوكيات مجتمعها من خلال مسيرتها التاريخية ؛ وفي مقدمة ذلك اساليب نقل الخبرات والمعارف والقّيم لأبناء مجتمعاتها جيل بعد جيل ؛ لتصبح الثقافة بالمجمل تمثل اساليب الأفكار التي تجمع الافراد من خلال طبائع معرفية تشكل في النهاية هوية الدولة والمجتمع وأبعادهما الاجتماعية .

وشخصية الفرد في أي مجتمع كانت تُصقل وتنُمو وتتطور داخل الاطار الثقافي الذي تترعرع وتنبت فيه هذه الشخصية ؛ فتتاثر وتمتلك السلوكيات التي تكسبها من محيطها الاجتماعي وتلتحم بعد ذلك بصفات الفرد التكوينية ليبرز من خلال ذلك وحدة طبيعية متكاملة لهذه الشخصية ويغذي ذلك طريقة التثقيف التي يتلقاها الفرد ويستوعبها مما ينتج بالمحصلة تلائمه مع بيئته الاجتماعية المحيطة به .

ولقد حدث في العالم خلال العقود الفائتة أن اتسع مفهوم الثقافة ليشمل جوانب من أنساق معرفية جديدة وعلاقات مجتمعية حديثة ؛ وانتاجات معرفية وفكرية أكثر شمولية من الماضي ؛ منها الثقافه في مجال المعرفة القانونية ، وطرق الملبس والمأكل والمشرب ، والمسلك وغيرها الكثير ، مما أوجد تأثيرات بالمجتمع ؛ وبما ان المجتمعات الإنسانية تخضع لسنن الحياة من التغيير المستمر في العناصر المادية واللامادية ، فقد نال الثقافة المجتمعية من التغيير ما نال المجتمع وإن اختلفت النسبة في ذلك من مجتمع الى آخر من حيث الاقتباس والتأثر والتاثير ، وطرق التواصل نتيجة تقارب الشعوب التي اوجدها عصر الثورة التكنولوجية الحالية ، والقاعدة تقول انه اذا تغيرت الثقافة تغير المجتمع ، فالثقافة اصلاً صناعة إنسانية ، والتغيير المجتمعي يشمل كل افرع الثقافة من أداب وعلم و فلسفة وغيرها ، وبناء على ذلك فأننا نجد ان السلوك يعكس الأفكار والقيّم الثقافية جراء تبادل التاثير والتاثر ؛ فالتغيير الثقافي اسلوب متعدد لميادين مختلفة تتلاحم تحت مظلة واحدة، وتكون بين الشد والجذب للاصالة والتقليد والاتباع ، حيث يشير عندئذٍ التغيير الثقافي الي ظهور صفات جديدة ومركبة تمثل مجمل جوهر الثقافـــة للمجتمــــــــع الذي حدثت به .

لذا وجب على مؤسسات مجتمعنا العُماني الاجتماعية بدءاً من الأسرة في ظل عوامل المتغيرات السريعة الحاصلة في مجال التكنولوجيا خاصة ،وما يمس الجوانب الاجتماعية عامة أن يتم التحقق من تحقق التوازن بين غرس القيّم التربوية والثقافية الاصيلة للمجتمع ، وبين تنمية قابلية التجديد والتغيير خاصة لدى النشء مما يحافظ على السلوكيات المجتمعية الأيجابية وبما يتوافق مع ديننا الحنيف واعرافنا وتقاليدنا.