بقلم : محمد الرواس
يأيها الطالب لعلم اليم
اليك نظماً يا له من نظم
ان كنت ممن جد في العلوم
وذاكر الأستاذ كل يوم
أحمد بن ماجد السعدي
كان منظر البحر بزرقته الجميلة وامتداد أفقه الشاسع ، ورحابة اتساعه اللا نهائي تجعل الفتى أحمد يقف طويلاً مشدوهاً أمامه لساعات متأملاً في صفحته ، ناظراً الى السفن الراسية عليه ، فلقد كانت قصص وحكايات الربابنة والبحارة من أبائه وأجداده من بني سعد بن قيس بن عيلان الذين كانوا يركبون البحر ويجوبون بلاد الهند ، والصين والبحر الاحمر، وسواحل افريقيا ، ويتعرضون خلال ذلك لأهوال جسيمة ، ومصاعب عظيمة ، ومخاطر شتى بالغ الأثر في تكوين شخصية أحمد بن ماجد ، فلقد كانوا هؤلاء الربابنة والبحارة والتجار عندما يعودون من سفراتهم يسردون تلك المشاهد بلسان عربي فصيح ، تستمتع بها أذان ومخيلة السامعين خاصة من الاطفال والشباب ، كانت تلك القصص والحكايات قد اكسبت الفتى أحمد مع مرور الوقت رغبة شديدة لخوض مثل تلك التجارب ، وشغف ركوب البحر وارتياده ، والمشاركة في تلك المغامرات الرائعة التي كان يسمعها ممن جربوه وعاشوا أهواله ، ورجعوا من اسفارهم محملين بالهدايا الثمينة والبضائع النادرة ، وبالقصص العجيبة والغريبة، وكان الواحد من هؤلاء البحارة والربابنة والتجار لا يعود لموطنه الا بعد عام أو عامين عند يذهب في احدى رحلاته وسفراته البحرية ، ولطالما سمع الفتى أحمد وهو فى سن الطفولة من القصص والحكايات الشيء الكثير شدته لركوب البحر وتمنى الابحار في اغواره ومحيطاته وخلجانه أسوة باجداده الشداد .
كانت مدينة جلفار ذات موقع متميز على ضفاف الخليج ، وكان اشد مايميزها وجود ربابنه بحار عظام منهم أسرة أحمد بن ماجد السعدي ، فجلفار كباقي المدن العُمانية الساحلية العامرة بموانيها وسفنها وربابنتها الابطال تحكي تاريخا بحريا عُمانيا عظيما .
كان جد أحمد بن ماجد الربان الماهر محمد بن عمرو السعدي ، ربانا خبيرا بالبحر وأسراره والملاحة فيه ، وكانت لديه معرفة بشؤونه واماكنه الخطرة وكان رجلاً محققاً ومدققاً في ذلك ، وجاء من بعده ابنه والد أحمد فزاد على علم والده محمد ، واكمل بعد ذلك أحمد بن ماجد مشوار ومسيرة هذه الاسرة المباركة فى علوم البحار ، ففاق علمه واشتهر ذاع صيته في الافاق .
يمكن القول أن أحمد بن ماجد السعدى العُماني المولد والمنشأ عاش بين عامي 1418 – وعام 1500 م حيث أن تاريخ ولادته لم يتم تحديده بدقة .
ولقد كان للمحيط الأسرى الذى عاش فيه ابن ماجد ضمن قادة سفن وتجار، وربابنة خبراء ، عاشقين للسفر والمغامرات ، أثر عظيم فى تكوين شخصيته ، فبجانب أنهم قوم عرب اقحاح وأهل فصاحة وأدب ودين وأخلاق ، كانوا ببلاغتهم وبشعرهم يصفون ما يشاهدونه في عالم البحار ومسالكه ، ومجاهله ، وطرقاته ، بشكل بديع يساعد على الحفظ ويشوق المستمع ، وكان جد أحمد بن ماجد ووالده من المجيدين في هذا المجال .
تعلم أحمد بن ماجد العلم على يدى جده ووالده ، وبعض العلماء ولقد ذكر احد معلميه بأحد قصائدة وكان يدعى ابن الهيثم ، ولقد حفظ الفتى أحمد ما تيسر من القرآن وتوسعت ثقافته ومداركه مما تعلمه بعد ذلك من علم وتجريب في مجال علوم البحار.
ولأن أسرة أحمد بن ماجد كانوا ربابنة بالسليقة فقد سافر الفتى أحمد مع والده البحر في سن مبكرة من عمره ، وكان ذلك عند بلوغه الخامسة عشرة من عمره ، وكانت أولى سفراته الى الهند ، وكان حينها قد توفرت لديه القدرة الجسدية الكافية كي يرافق والده ، الذي توسم فيه القدرة على القيام ببعض الأعمال على ظهر السفينة فتعلم وأجاد ، وما كان والده ليسمح له بارتياد البحر لو لم يكن واثقاً من قوة إدراكه وتميزه بفهم أحوال البحر ورغبته في تعلم شؤون الفلك والملاحة.
ولقد كانت رحلة الفتى أحمد الأولى بمثابة دورة تدريبية عملية صقلت مواهبه واكتسب منها بداية خبرته التجريبية ، وذلك كونه ذا فطرة سليمة وذكاء ، وسرعة بديهة ، فالأب خبير ومعلم ماهر، والفتى شغوف بما يشاهده ويتعلمه ولما بلغ السابعة عشرة من عمره استطاع قيادة احدى الرحلات البحرية تحت اشراف والده.
وخلال الخمس السنوات التالية بعد الخامسة عشرة من حياة أحمد بن ماجد ولحين وصوله سن العشرين من عمره نضج وتوسعت مداركه وثقافته في علوم البحر ولقد زاد على اقرانه بانه كان مجيدا للقراءة والكتابة فلقد كان معظم الربابنة في ذلك الوقت أميين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة ولقد اكتسب خلال هذه الفترة الفتى احمد بعض اللغات بجانب ثقافته الدينية وثقافته العامة .
(وللحديث بقية)