بين العقلاء والسطحيون

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/مارس/٢٠٢١ ٠٦:٤٦ ص
بين العقلاء والسطحيون

بقلم : محمد ين علي البلوشي

يصحى العالم كل صباح على مفاجأة..انقلاب عسكري في ميانمار أو تجربة صاروخية في كوريا الشمالية..أو تعثر الرئيس بايدن على سلم الطائرة..أو تغريدات الطيب الذكر ترامب. حفلت مواقع التواصل الإجتماعي وبعض مواقع الصحف والمواقع الإلكترونية العربية بخبر «عمان تحظر تطبيق كلب هاوس» بعد أن تصدر الإغلاق الترند العماني. لنستفيق صباحاً على شرارة في تويتر تخالف أحيانًا كل قواعد الاشتباك والسجال.الأغلبية رفضوا الحجب واعتبروه مصادرة لحرية الرأي والتعبير..ولاينبغي ونحن في 2021 أن نمارس ما كانت تمارسه الأنظمة الحديدية يوم كانت تلقن الناس ما تريد أن يحفظوه فقط..فيلجأون إلى صوت أمريكا وإذاعة بي بي سي بمختلف لغاتها الموجهة إلى المعسكر الشرقي وكل من يدور في فلكه أو حتى الأخبار عن الدول الأخرى التي لاتزال تحبو نحو الديمقراطية وإن كانت دولاً حليفة. في الوقت الذي كان الجمهور يندد بالحجب فإنهم كانوا يعبرون عن رأيهم بكل حرية من رفض وشجب وتنديد وأن ذلك شكل من أشكال القمع الفكري ومصادرة الرأي..كل ذلك كان على تويتر..لكن حرية التعبير برأيهم توقفت حينما حجبت السلطات التطبيق -كما قالت- لعدم حصوله على ترخيص..لربما هو تبرير ناقص وغير مقنع تمامًا فالجهة المسؤولة عن التطبيقات الأخرى لم توضح لنا طبيعة الترخيص. هل كشركة تتقدم بطلب ترخيص إلى هيئة تنظيم الاتصالات؟ مع العلم أن تويتر يتيح خاصية التجمع مثل هذا التطبيق. مع هذا الضجيج الذي صنعه رواد التواصل الاجتماعي قد تقفز اسهمه أكثر .حينما استيقظت صباحًا على هذا الترند قلت « أنه أمر جيد حينما يستخدمه العقلاء..لكن الغوغاء هم المسيطرون بأصواتهم وهم من يتسببون في الفوضى.الغوغاء موجودون في كل العالم لكن لدينا منظومة أخرى من التفكير والحياة الإجتماعية التي قد تتمزق بسبب الغوغاء إن تحولت هذه التطبيقات ومثله «كلب هاوس» إلى منبر للمتطرفين والمذهبيون ودعاة الثورات. فور نزول التطبيق بدأت جماعات رديكالية ناعمة -تستخدم التطبيق لأغراض سياسية وهي جماعات تنتشر في مناطق إقليمية لتهاجم دولاً وأنظمة بعينها ..الحمد لله نحن بعيدون كل البعد عنهم ربما ولكن لا ينبغي أن نكتفي بذلك فالحذر واجب في المجتمعات الهشة التي تتهشم عقولها أمام أي مفاجأة. رجعت إلى فكرة التطبيق ..تقول الشركة أنها عبر هذا التطبيق تقدم تجربة إنسانية أكثر تفاعلية بين المجموعات البشرية وتقوم فكرتها على نوايا نبيلة للبشر .في أقل من عام منذ إطلاقه حسب ماقرات في المواقع أصبح Clubhouse اسماً معروفًا في «سيليكون فالي» وجذب ملايين المستخدمين حول العالم، وتُقدر قيمته بأكثر من بليون دولار. تخطط الشركة الآن «للتوسع بأسرع ما يمكن وفتحه للجميع قريبًا».إن كل ما فيه صالح للبشرية مرحب به والفكرة تبدأ بهدف نبيل ثم لربما تنحرف ..الإنترنت غير حياتنا والهواتف الذكية قلبت أفكارنا وقربت المسافات وألغت الحواجز بل وعرت الكثير من المفاهيم البالية ومع السنوات المقبلة ستتغير الكثير من البنى الإجتماعية والتقليدية في مجتمعاتنا.في أحد تعليق لي مع إذاعة خارجية عن حرية التعبير يقول أحدهم أن عمان بعد 50 عامًا لا يمكن أن تمارس أسلوبًا «يقمع» حرية التعبير..الطرف الآخر نسي أن الـ 50 سنة الفائتة كانت في مجملها بناء الدولة الحديثة فقط بمؤسساتها وبنيتها الأساسية..المجتمعات وحرية التعبير تقاس بالتقدم الفكري والوعي الاجتماعي..وأقول أن عمان مثل دورة حياة النبات في ما يتعلق بالتفكير والوعي المسؤول والمحصن..بذرة تبثر في الأرض أو فسيلة ثم تسقى مع مساعدات من السماد لتكون قوية في نموها والسماد هنا العلم والعقل فتكبر وتروى يوميًا فتبدأ بالنمو وتنبثق من الأرض فتكبر..إلى أن تصبح كشجرة نخيل أو غيرها..لن تتوقف عمان عن النمو..ولن يتوقف العقل عن الاستيعاب..إنه وقت تدخل العقلاء..لا تدعوا الميدان للسطحيين.