عفراء بنت جمعة الهاشمية
أعد الباحث السعودي عبدالرحمن السديس رسالة دكتوراه للعام الدراسي 1993 بجامعة أم القرى السعودية بعنوان: العمانيون والجهاد الإسلامي في شرق افريقيا، فالدراسة تتحدث عن " حركة الجهاد الكبرى التي قام بها اليعاربة العمانيون ضد البرتغاليين في شرق افريقيا، والتي تحقق بسببها طردهم ( أي البرتغاليين) من مناطق شرق أفريقيا ومن ثم تأسيس حكم إسلامي امتد على جزء كبير من سواحل الشرق الأفريقي ".
تنقسم الرسالة إلى خمسة فصول كالآتي:
•فصل تمهيدي يقدم الباحث فيه الأوضاع في عمان وساحل أفريقيا الشرقي قبل الاستعمار البرتغالي، وعرض موجز للمدن الإسلامية في الساحل وعلاقتها بعمان.
•الفصل الأول: وهو يسلط الضوء على الدوافع الدينية والاقتصادية للاستعمار البرتغالي، واحتلال الساحل الشرقي لأفريقيا وإحكام السيطرة عليها وأهمية قلعة اليسوع التي قاموا ببنائها في ممباسا.
•الفصل الثاني: تحدث عن الإمام ناصر بن مرشد وتوحيده للصف العماني الداخلي المضطرب، وبناء القوة العسكرية لتكون بداية الجهاد العماني ضد البرتغاليين.
•الفصل الثالث: تحدث عن الإمام سلطان بن سيف ومعاركه ضد البرتغاليين من باقي أقاليم عمان والساحل الشرقي لأفريقيا والاستيلاء على ممباسا ومطاردة البرتغاليين في الهند.
•الفصل الرابع: فقد ذكر الإمام سيف بن سلطان وتنافسه على الإمامة مع أخيه بلعرب، وعن الصراع العماني البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي وسقوط قلعة اليسوع، والنتائج المترتبة من ذلك.
نجح الباحث في تقديم دراسة عن الجهاد الإسلامي للعمانيين ضد البرتغاليين في الخليج العربي والساحل الشرقي لأفريقيا، محتوية على قدر كافي من المعلومات حول الاستعمار البرتغالي والصراع العماني معهم حتى طردهم من آخر معاقلهم وما ترتب عليه من نتائج، مستندا على مجموعة كبيرة من المصادر والوثائق العربية والأجنبية، وبالنسبة للمصادر العمانية نجد الباحث يعيب عليها تجاهلها الملحوظ عن ذكر الكثير من الأحداث في الساحة العمانية، فهي مثلا لم تذكر الاستعمار البرتغالي إلا مع ابتداء الجهاد ضدهم من قبل الإمام ناصر بن مرشد، فالباحث أشار إلى أن الاحتلال البرتغالي وقع في عهد الإمام محمد بن إسماعيل، وأن ساحل عمان قبيل هذا الاحتلال كان خاضعا لمملكة هرمز، كما تحدث الباحث عن وجود الجبور في الداخل العماني ونمو نفوذهم السياسي رغم تغييب هذه المعلومات عن المصادر العمانية، فهو يذكر بأن الإمام عمر بن الخطاب الصلتي قد استعان بهم ضد الملك النبهاني سليمان بن سليمان، كما ذكر وجودهم ودورهم خلال حركة توحيد الصف العماني في عهد الإمام ناصر بن مرشد.
أشار الباحث إلى أن الاستقرار والأمن في الأراضي العمانية يقابله الاستقرار والأمن في سواحل أفريقيا الشرقية، ففي الوقت الذي تكون عمان في صراعات داخلية أو الأخطار الخارجية تكون السواحل الشرقية لأفريقيا عرضة للتهديد البرتغالي، فخلال الصراع الذي حصل بين الإمام بلعرب وأخيه، حدثت هجمات من قبل البرتغاليين على المدن الساحلية في أفريقيا مستغلين هذا النزاع، وكذلك الحال عند تصاعد الوجود الأوروبي والفارسي في الخليج العربي في أواخر عهد الإمام قيد الأرض. وصف الباحث أن 1698م كان نقطة تحول في التاريخ الإسلامي في شرق أفريقيا، فهو العام الذي استطاع فيه العمانيين حصار مدينة ممباسا والاستيلاء على قلعة اليسوع التي تمثل أهمية بالنسبة للبرتغاليين، تلت بعد ذلك تحرير العديد من المدن حتى أصبح القسم الشمالي من الساحل تحت السيطرة العمانية، وقد حاول البرتغاليون دون نجاح استرداد القلعة وتلك المدن.
ينفي الكاتب الفكرة المتداولة لدى بعض المؤرخين بأن تحرير الساحل الشرقي الأفريقي هو تأكيد للإدعاءات العمانية بالسيادة على هذا الساحل، فهو يرى أن التحرير كان شاهدا على الروابط الحضارية والتجارية بين عمان والساحل المتوغلة منذ عصور سابقة، وقد أشار الباحث إلى التركز العماني التجاري في مدينتي زنجبار وممباسا خلال الدولة اليعربية، فقد هاجر إليها العديد من الأسر العمانية مثل النباهنة واليعاربة والمراجبة، ومن الأخيرة ينحدر حميد بن محمد المعروف بلقب تيبوتيب والذي يرجع إليه فضل تأسيس الوجود العربي والإسلامي في الكونغو، وهذه الهجرات هيأت الأساس المناسب لإقامة حكم عربي إسلامي، وهذا ما تجلى بوضوح في عهد السيد سعيد بن سلطان عندما اتخذ من زنجبار عاصمة لامبراطوريته الذي يعد تطورا جديدا في الاتصال بين الخليج والساحل الشرقي مما شجع على هجرات جديدة والتوسع في النشاط الإسلامي إلى الداخل الأفريقي.
ويطرح الباحث تساؤلا عن الأساس الذي اسُتند عليه في اختيار ناصر بن مرشد لتولي الإمامة في الوقت الذي كانت القبائل المختلفة تتصارع على السلطة، ثم أشار إلى أن مكانة الإمام ناصر القبلية والاجتماعية كانت عاملا مؤثرا في اختياره بالإضافة إلى قربه من الشيخ خميس الشقصي الذي قدمه للعلماء، وقد ذكر الباحث أن تولي الإمام بلعرب بن سلطان بن سيف الإمامة بعد وفاة أبيه قد ثبت توارث الحكم كما اتضح لاحقا بعد إمامة أخيه سيف بن سلطان.
وبالرغم من أن الباحث أشار إلى أن المصادر العمانية لم تذكر الأسباب التي دعت إلى خروج سيف بن سلطان على أخيه بلعرب، إلا أنه وقف على أحد أهم تلك الأسباب وهي اهتمام الإمام بلعرب بالحركة العلمية وعدم اهتمامه بالجهاد ضد البرتغاليين، مستندا على قول المؤرخ السيابي في كتابه عمان عبر التاريخ: " وأن الإمام بلعرب لم يقبل على الممالك إقبال من ملك قلبه، فاكتفى بإعمال العمال ولم يرض بعض رجالات الدولة بذلك، فدخلوا على أخيه سيف الذي يرى أن الخير في توسيع الملك فحدث ما حدث."، بالرغم من أن بعض المصادر أشارت إلى استمرار جهاد العمانيين ضد الاستعمار البرتغالي بقيادة الإمام بلعرب. وقد اعتبر الباحث الإمام سيف بن سلطان الأول هو آخر الأئمة اليعاربة الأقوياء ووفاته كانت بداية الإضطرابات في عمان ونهاية الجهاد ضد البرتغاليين، متجاهلا بقصد أو دون قصد الإمام سلطان بن سيف الثاني الذي جاهد ضد البرتغاليين خلال فترة حكمه القصيرة والتي امتازت بالهدوء والاستقرار، فالصراعات ظهرت بعد وفاته عندما أراد بعض زعماء القبائل تنصيب ابنه سيف بن سلطان الثاني للإمامة رغم صغر سنه.
تعمد الباحث ادخال المذهب في بعض سطور رسالته، فهو يذكر أن العمانيين لم يخططوا لنشر المذهب الإباضي في المناطق التي حرروها وسكنوها في الساحل الشرقي الأفريقي، وأنهم عاشوا التسامح المذهبي مع الحضارمة الذي ينتمون للمذهب الشافعي، وذلك باعتبارهم أكثرية المقيمين من العرب في تلك المدن الساحلية، إلا أنه يصف الحزب الغافري الذي ظهر في أواخر الدولة اليعربية بأنه حزب سني بالنظر إلى القبائل التي تنضوي تحته مثل بني ريام وبني بو علي وغيرها من القبائل التي قال بأنها تتبع المذهب السني، بينما الحزب الهنائي فهو يتبع المذهب الإباضي بالنظر إلى القبائل التي تتبعه مثل آل سعد والحبوس والبوسعيد، ونجد هذا الوصف يجانب الصواب بالنظر إلى الواقع العماني.
كانت القوة العمانية في الدولة اليعربية العامل المؤثر في طرد المستعمر البرتغالي إلا أنها لم تكن العامل الوحيد، فالوجود البرتغالي منذ لحظة استعماره كان ضعيفا لأسباب عديدة ذكرها الباحث، ورغم أن الحضور الانجليزي والهولندي والفرنسي في الخليج العربي قد ساهم في إضعاف القوات البرتغالية إلا أنهم بنوا على أنقاضهم مستعمرات واسعة عملت على تفريق العرب والمسلمين ومحاربتهم ونهب ثرواتهم وبخاصة بريطانيا مثلما حدث في السنوات اللاحقة، ويؤكد الكاتب على الخوف المتنامي من القوة العسكرية البحرية العمانية للدولة اليعربية فهو يذكر معاهدة تم توقيعها عام 1700م من قبل الدول الأوروبية الثلاث من أجل مواجهة القراصنة في الخليج العربي، إلا أن الكاتب اشار إلى أنها في حقيقتها كانت لمواجهة القوة البحرية العمانية، وكونهم لا يفرقون بقصد أو دون قصد عن الهجمات العمانية ضد البرتغاليين وبين أعمال القرصنة الفردية في المنطقة، نجد أن الكاتب ذكر الرسالة التي أرسلها الإمام سيف بن سلطان الأول إلى شركة الهند الشرقية الانجليزية ينفي فيها اضطلاع الحكومة العمانية في مصادرة بعض السفن الانجليزية مؤكدا على عدم وجود نية في الإضرار بالعلاقات مع الانجليز وحرصه على بقاء الصداقة العمانية الانجليزية، ولعل هذه كانت بداية العلاقات العمانية البريطانية التي بدأت تكبر لاحقا.