بقلم : علي المطاعني
الحديث عن معاناة الأنشطة التجارية نتيجة للأزمة الصحية والإقتصادية على اختلافها شيء ، ومعاناة التعليم الخاص شيء آخر، فالتجارة تجارة كما نعرفها ، غير أن التعليم أمر مختلف طبعا ، ولايمكننا وفق كل المعطيات والمؤشرات أن ندع التعليم الخاص ينزلق لمعترك التجارة التي يحكمها فقط قانون (الربح والخسارة) نتيجة لتأثير الوضع المعروف لجائحة كورونا ، فالتنمية البشرية كمفهوم ومبدأ وهدف قائمة على التعليم سواء أكان عاما أو خاصا ، فالحفاظ على مستوياته كافة أمر لايعني أصحابه فقط بل هو يعني كل الدولة بل كل الوطن ، وعلى إعتبار أن افرازاته إيجابا أو سلبا سوف يعاني منها الجميع والي الأبد ، وهو ما يجب أن ندركه ونعالجه بشكل يسهم في الإرتقاء والنهوض به لإستدامته ، فهو يسهم في تخفيف الأعباء على الحكومة ذاتها ، فتكلفة 100 الف طالب وطالبة في المدارس الخاصة وفق دراسات تكلفة الطالب في المدارس الحكومية تقدر بـ 2000 ريال ، ذلك يعني أن الحكومة توفر 200 مليون ريال كان عليها أن تنفقها لتعليم مائة ألف طالب تحتضنهم هذه المدارس ويدفع الرسوم أولياء الأمور من حر مالهم، فبذلك يعد التعليم الخاص رافدا للإقتصاد الوطني، مثله مثل بقية القطاعات الأخرى في السلطنة، كما أنه يقوم بتوظيف وتشغيل آلاف المواطنين والمعلمين في مدارس هذا القطاع، فهو بذلك يحقق استقرارا اجتماعيا واقتصاديا، ولأنه يسد عن الحكومة المطالبة بالتوظيف، ناهيك عن المردود التربوي والعلمي لمستقبل أبناء وبنات السلطنة.
على ضوء تلك الحقائق لا يجب على الحكومة أن تخسر الكثير في مقابل القليل كما يقال بعدم الإلتفات لمعاناة التعليم الخاص والعمل على معالجتها ، وذلك بأن تضع يدها الحانية عليه ولتمده بأسباب المنعة وليستمر في توفير ذلك المبلغ الذي لايستهان به ، وبإعتبار أن رسالته التعلمية والتربوية مقدرة من الدولة أو الوطن باسره ، وحتى لايجد نفسه مضطرا للتحول من خانة التعليم والتربية إلى خانة (الربح والخسارة) فقط ، التجارة أعني .
بلاشك أن إهتمام الحكومة بمعالجة تداعيات كورونا كبيرة ومعروفة ، والفاتورة باهظة وعالية ، بيد أن التعليم الخاص يجب أن يكون من أولويات واضعي سياسات تلك المعالجة، وأن يكون له وضعية خاصة بعيدا عن معادلة الربح والخسارة وبعيدا عن جدلية أن هذه مدرسة خاصة أو مستثمرة إلى غير ذلك مما نسمعه ، التعليم ايا كان يجب أن نرتقي به إلى ما نتطلع ونصبو إليه بإعتباره أساس التقدم الذي ننشده ، بل هو البوصلة التي نهتدي بها في ظلمات هذا البحر اللجي .
فمعاناة أصحاب المدارس الخاصة سواء في معالجة الأقساط أو تراجع أعداد الطلبة والطالبات بسبب الوضع الصحي لجائحة كورونا، وانتقال اعداد كبيرة طلاب مدارس التعليم الخاص إلى مدارس التعليم العام نتيجة للإجراءات التي أتبعت والأعمال التشغيلية المصاحبة للأزمة وغيرها سوف تنعكس بالطبع على التعليم في ارتفاع تكلفة التشغيل وعلى قطاع التعليم الخاص المدرسي في ارتفاع الخسارة، بشكل عام وباعتباره رديفا للتعليم العام ومساهم في النهضة التعليمية في البلاد ، فلا يجب أن نتركه يترنح أمام أعيننا ثم نغض الطرف عنه حتى يسقط في قارعة الطريق كضحية وما أغلاها وأعلاها من ضحية. استمرار وبقاء قطاع التعليم الخاص المدرسي صامدا هي من مهام وواجبات الجميع، في الواقع فإن مطالب أصحاب المدارس الخاصة كبيرة والتداعيات والإسقاطات عليهم سيئة للغاية فتكاليف التشغيل للمدارس ليست بسيطة من معلمين ومعلمات وإداريين وعمال وسائقي حافلات وتكاليف مبان وأعمال تشغيلية وغيرها ، لذلك لايمكننا مقارنته بالأنشطة التجارية الأخرى، لأن مصاريفه غير مرتجعة كما هو الحال في المحلات التجارية.
نحن اليوم أمام مرحلة فاصلة لإنقاذ التعليم الخاص المدرسي وما قبل المدرسي، وهذا الاخير بالذات عمرا على هذا القطاع، فعلينا جميعا منعه من التدهور وإغلاق المدارس وإنعكاسات هذا المشهد الكئيب على المنظومة التعليمية برمتها ، ذلك يفرض علينا التعاطي وبمسؤولية كبيرة مع هذا الأمر الجلل والماثل بكل تجلياته كالحة السواد أمامنا.
وهذا مافعلته بالضبط لجنة التعليم بـغرفة تجارة وصناعة عُمان خلال إجتماعها مع وكيل وزارة العمل للعمل الذي أكد على أهمية دور التعليم في التنمية وتحقيق أهداف رؤية عُمان 2040.
مؤكدا أهمية السعي لايجاد بيئة تعليمية جاذبة و ذات جودة عالية من شأنها إيجاد جيل واع وقادر على مواكبة متطلبات العصر.
وقد ناقش هذا الإجتماع المهم التحديات التي تواجه التعليم الخاص ومضى للمطالبة بوقف اللجوء إلى الحظر المستخدم من قبل بعض المؤسسات الحكومية على المؤسسات التعليمية الخاصة وضرورة البحث عن بدائل مناسبة .
نأمل من الجهات المختصة وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم أن تولي هذا الموضوع إهتمامها وبقوة للدفاع عن التعليم الخاص، تماما كاستماتتها في الدفاع عن التعليم العام في خضم هذه الأزمة الطارئة والإستثنائية ، فكلاهما مكمل للآخر دون ريب.