بقلم : محمد محمود عثمان
شدتني رسالة من صديق على الواتس آب عن قصة عربي حاول الحصول على علاج من صيدلية في بلد أوروبي لعارض صحي يعاوده من حين إلى آخر وقد تجاوز الستين من عمره ، وشعربالإحباط بعد أن فشل في دفع مبالغ مضاعفة للصيدلية للحصول على العلاج ، لأن القانون يمنع بيع العلاجات إلا بوصفة طبية، وبين الحيرة واليأس وهو يقول مع نفسه « الكفار حطب النار « نصحته الصيدلانية بمراجعة فريق طبي يعمل في نفس المبنى ،وبعد أن ذهب للطبيب، أخذ الوصفة وتوجه لدفع أجر الطبيب ولشراء العلاج ، لكنه اكتشف أن هذه الخدمة بالمجان ،وأن سعر الدواء في بلده أكثر من 20 ضعفا ،ومع ذلك اعتذرت له الصيدلانية وأخبرته بأن كشف الطبيب والدواء بدون مقابل واندهش قائلا لماذا ؟ قيل له بكل لطف «لأنك تجاوزت الستين من عمرك « وخرج وهو يتمتم مع نفسه «حيا الله هذه البلاد »، وهذا يذكرني بصديق عراقي اندهش بشدة من معاملته عند وصوله إلى أحد المطارات الإمريكية حيث قام موظف بمساعدته بإنهاء الإجراءات وفي حمل الحقائب بعيدا عن الزحام وأعتقد أن هناك سوء فهم -خاصة مع توتر العلاقات بين البلدين - ولكن ذهبت دهشته عندما علم أنهم هكذا يعاملون كل من تجاوز الستين من عمره ودفعني الفضول للتعرف على أوضاع المتقاعدين وأصحاب المعاشات في الدول الغربية ، فوجدت أن الموظف المتقاعد بعد الستين عاما يحظى بتأمين العلاج المجاني، وتخفيض إيجارالمساكن وأسعار الكهرباء والطاقة والمواصلات العامة،ويحصل على راتب تقاعدي كاف يمكنه من الاعتماد عليه خلال من تبقى من عمره ،وتذكرت على الفور معاناة المتقاعدين وأصحاب المعاشات والضمان الاجتماعي، خاصة في المجتمعات العربية -المسلمة - بعد بلوغ سن الستين ، حيث لا توجد رعاية صحية أو تأمينية أو راتب مناسب يساعدهم على مواجهة متطلباتهم المعيشية، بعد أن أصبح ليس لهم حول ولا قوة أمام متطلبات الحياة الأسرية التي تتضاعف بعد التقاعد أو الاحالة للمعاش مع انخفاض الدخل بنسب كبيرة بحكم نظم التقاعد الجائرة ، بالإضافة إلى زيادة الأسعار والتضخم التي تلحق أضرارا بالغة بالمتقاعدين وأصحاب المعاشات ،ما يضعهم أمام صعوبات إضافية ومعادلة صعبة ،عنوانها المزيد من الأعباء واختناق المعيشة،في ظل تراجع الدخل ،وهذا يعني ضرورة تدخل المشرع لتعديل مبلغ المعاش المستحق للمتقاعدين وأصحاب المعاشات ليكون حده الأدنى هو قيمة آخر راتب شهري حصلوا عليه في اثناء الخدمة شاملا كل المكافآت والبدلات،لتضاف إليه العلاوات والزيادات التي تقررها الدولة سنويا للموظفين الذين هم على راس العمل ، لتحقيق الحياة الكريمة لهم ، خاصة أن أموال التأمينات مستقطعة من رواتب العاملين ولا تتحملها ميزانية الدولة ، وكذلك تحسين المزايا التقاعدية بالقطاع الخاص وتأمين أصحاب المهن الحرة، خاصة أن بعض الدول تستخدم مدخرات أصحاب المعاشات في تغطية عجز ميزانية الدولة ،ومسؤولية الدولة هو استثمار هذه الأموال وتعظيمها لتحقق عائدا لأصحابها يحقق لهم مميزات إضافية ، ويجب ألا نمن على المتقاعدين وأصحاب المعاشات بما تقدمه لهم الدول ، لأنهم لا يكلفون الميزانيات العمومية للدولة أي أعباء، ولأنه عمليا ومنطقيا لا يوجد أي متغيرات تستوجب تخفيض أجر المتقاعد، فعليه كل الالتزمات الأسرية التي لن تنتهي بمجرد التقاعد أو الإحالة إلى المعاش ولن يُشفى من الأمراض التي أصابته وهو على رأس عمله بمجرد الإحالة للتقاعد ، ولن يُعفى من سداد فواتير الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت ، بل يواجه الزيادات المتتالية في الأسعار والضرائب بكل أنواعها المباشرة أو غيرها، لذلك فإن الرؤية الجديدة في هذا الشأن تحتم على المشرع الحصيف أن يقرتشريعات جديدة تعمل على إنصاف هذه الفئات بمنحها علاوات تصاعدية سنوية لمواجهة التضخم وزيادة الأسعار ولمواجهة متطلبات الحياة التي تتضاعف مع زيادة العمر ،حتى نحقق لهؤلاء ولأسرهم حياة كريمة لائقة ،لأن المتقاعدين و أصحاب المعاشات في عمر الستين ،عليهم ذات النفقات والالتزامات الأسرية والحياتية وإنها مستمرة حتى بعد الإحالة إلى التقاعد ،بالإضافة إلى متطلبات العلاج التي تتزايد من زيادة العمر ومع أمراض الشيخوخة ،إذ لابد من ربط الرواتب التقاعدية بالزيادات المستقبلية في الأسعار ولتواجه تآكل قيمة العملات وتضاءل قوتها الشرائية أمام غول التضخم الذي لا يرحم ، وأن رد الجميل واجب لهؤلاء ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول « ليس منا من لا يوقر كبيرنا..» وسيما أنهم تحملوا في شبابهم عبء نهضة المجتمع وتقدمه ، حتى لا نجعل من الإحالة للتقاعد عقابا للأسر من الزوجات والأبناء ، بعد حرمان المتقاعد من المزايا والمكافأت التي كان يتمتع بها في حياته الوظيفية ، في ظل موجات الغلاء المتلاحقة.