بقلم : محمد بن علي البلوشي
في الفجر يعود الصيادون بأسماكهم بعد ليلة من الانتظار في عرض البحر. يبحثون عن الرزق فهي حرفتهم ومصدر عيشهم ويذهب المزارعون إلى حقولهم ليحرثوا ويزرعوا فهم مرتبطون بالأرض ولا غنى لهم عنها. لا تملأ عينهم سوى مزارعهم وحقولهم وثمارها. والصيادون لا يملأ عينهم أكثر من صيدهم وسلامة مراكبهم وقواربهم. عند هؤلاء وغيرهم تستمر الحياة دون ضجيج ودون صخب. هؤلاء هم الأنقياء الذين يعيشون في قناعة وتصالح داخلي مع الذات. ضجيج الحياة لا يأسرهم ولا يشتتهم ولا يقبلون تدخل أحد في شؤون حياتهم. لكن الحياة لا تمضي كما نريدها فهناك من يتربص بحياة هؤلاء لتدميرها بطريقة غير مباشرة حينما ينسلخ البعض تحت مسميات عديدة وأكثرها براقة لتمزيق الهدوء التام الذي اعتادوا عليه سنوات طويلة. منذ واقعة التفاحة السماوية يأبى إبليس المطرود أن يفارقنا. فيدحرجنا كما يهوى ..يلعب بنا كما يشاء.. يسوقنا إلى مالا تحمد عقباه إن أعمينا عنه العقل والبصر والفؤاد .. فمنذ أن فعل فعلته القبيحة واشار على سيدنا أدم بالتفاحة لم يحظ الإنسان بالهدوء فظل يتدخل في عقولنا وبواطننا متذرعا بكل الوسائل التي يحط فيها من قيمتنا فيتمخض عن ذلك حفنة من الكذابين..المنافقين .. اللصوص..ومن يستمتعون باغتياب الناس..نقذفهم في اعراضهم..وهلم جرا..أو يصنع من البعض في صورة أتقياء. كيف.. يمكن لإبليس أن يحولنا لأتقياء..هنا هو الجدل الذي أزعم أنني أقدم بعض الأمثلة عنه التي تدل على أن إبليس يمكن أن يحولك إلى تقي فيما يحول عينيك عن الناس إلى مجرد شرره وفاسقين ومارقين. لإبليس قوتان ..القوة الخبيثة وهي التي تدفعك إلى الشر..ارتكاب كل أنواع الشر والمعاصي بحسب ماتؤمن به والقوة الناعمة التي يؤدلج بها ماتراه وتعتقده صائبا. أليس التطرف عملا من أعمال إبليس اللعين؟.حينما تلقح عقلك عن المجتمع وتقسمه إلى ضال ومنحرف وصالح وطالح وفاسق وتقي..وانك التقي فقط أليس عملا من أعمال إبليس الذي يزين ذلك فتقذف المجتمع بالسوء وتنصب نفسك وصيا عليه وعلى مايفعل..فيزين لك سوء فعلك بارتكاب التطرف والجنوح له فتكفر من شئت فتمزق وحدة الناس وترابطهم وعلاقاتهم فيما بعض وتماسكهم..أليس إيقاظ الطائفية والمذهبية والعنصرية البغيضة من نجاحات إبليس؟..حينما تبيح لنفسك تقسيم الناس ومراقبة مأكلهم ومشربهم وماذا يصنعون وتبيح لنفسك التدخل في شؤون حياتهم فذلك انتصار لإبليس..انتصار لما أراده منك ففي اللحظة التي تصنع تلك الفكرة في عقلك فقد سيطر إبليس عليك وانتصر.عن اهل عمان يعلمنا التاريخ كثيرا.. يلبسون ثوب الوقار النقي والخلق الرفيع والقويم ..لايغتب بعضهم بعضا ولايقذفون الآخرين بشيء.. ولايتدخلون فيما لايعنيهم.. ومايراه الأخرون صوابا لربما نحن لانراه كذلك ولو كنا نراه مثلهم لظلت عمان ساحة تفرخ التشدد والتزمت والتحليل والتحريم وتكفير الآخرين..فأهل عمان يحافظون على وحدتهم وهم من منابع شتى يجمعهم العيش المشترك الذي تحافظ عليه الدولة وتحميه القوانين وتردع الأنظمة والقضاء أي مارق. يميلون إلى الوحدة بعد سنوات من الإنقسام التاريخي .. لايتدخلون في شؤون الاخرين خارج حدودهم إلا للإصلاح حينما تلوح المضرة على الشعوب والمضرة .. فهي خصلة لاهل عمان. وأهل عمان لايعنيهم ماذا تلبس واي لون تحب او أي مظهر عليه أنت ففي حدود أسوار دارك تستطيع أن تلم عائلتك على حب الأخرين أو كرههم ومقتهم وأن تربيهم على ماشئت إن لم يشتكوا..لابأس في ذلك .. لكن إن خرج هذا الكره كسلوك خارج الدار ولم تحتفظ به في داخلك فهنا تتدخل الدولة لتوقفك عند حدك فأنت بذلك تصنع الفتنة وتمزق الوحدة الوطنية.. وذلك ضرره جسيم على المجتمع. واليوم بات البعض يمنح لنفسه الحرية في التطاول على أهل بلده منطلقا من فكرة ضيقة ..وهي جدل عام وهو مالا يعد مقبولا على اخلاق أهل عمان فهم لا يقبلون الابتلاء على الناس وقذفهم .. الفكرة البغيضة باسم أية إيديولوجية كالتطرف والمذهبية هي خطاب معادٍ للمجتمع قبل الدولة وهو الخطاب الذي قد يقسم الناس إلى فسطاطين ويمكن أن يشعل حريقا بسهولة لكن إطفاءه سيكون صعبا وما يدور في المنطقة خير شاهد على ذلك. لذلك هل يمكن أن نسمح بخطاب معاد للمجتمع ويهدد استقرار الصياد والفلاح؟.. وان يتحولوا إلى أدوات سيئة بفعل خطاب ناعم لكنه متطرف..لايمكن ذلك. حينما تكره وتحقر وتقسم وتحلل وتكفر فأنت من حلفاء إبليس.. العنوا إبليس.