بقلم: عفراء بنت جمعة الهاشمية
إن افتراق أهل عمان إلى المدرستين النزوانية والرستاقية بلغ أشده في القرن السادس الهجري، حيث لوحظ تنصيب إمام من كل مدرسة، بل حدث وجود العديد من الأئمة في هذه الفترة من القرن السادس، فالإمام محمد بن خنبش بن محمد تولى الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام عام 510 هـ، وتوفي عام 557 هـ، وكذلك الإمام محمد بن أبي غسان الذي لم يعرف تاريخ بيعته أو وفاته لكن المؤكد أنه في ذات الفترة، وأخيرا الإمام موسى بن أبو المعالي الذي تولى الإمامة عام 549 هـ وقُتل عام 579 هـ مما أدى إلى انقطاع الإمامة.
هذا التعدد في الأئمة أدى إلى اضعاف مؤسسة الإمامة ثم انقطاعها لما يقارب قرنين ونصف من الزمن حتى تعيين مالك بن الحواري إماما عام 809 هـ، وخلال هذين القرنين والنصف، حدث تغييب فعلي لمشهد الأحداث في عمان إلا بعض الأحداث القليلة التي وقعت على فترات متباعدة، ذلك أن المراجع التاريخية العمانية تجاهلت بشكل كبير ذِكر كل ما هو خارج عن نطاق الإمامة، ولقد تزامن مع ضعف الإمامة ظهور الإشارات الاولى لممالك قامت على الزعامة والتحالفات القبلية، ومن أشهرها دولة النباهنة التي حكمت أجزاء من عمان زمنا طويلا، والصلوت الذين استطاعوا الحفاظ على زعامتهم لقبائل اليحمد.
استطاع الصلوت الحفاظ على زعامتهم الدينية والقبلية منذ اعتزال جدهم الإمام الصلت بن مالك، ولطالما خرج منهم أئمة أمثال الخليل بن شاذان، وفي فترات لاحقة مثل الخليل بن عبدالله وعمر بن الخطاب، ومع ضعف مؤسسة الإمامة بدأت التحالفات القبلية يعلو شأنها، وهذا ما يتضح في سيرة الملك العادل محمد بن مالك بن شاذان الذي يعد أول إشارة لظهور مملكة الصلوت.
ورد اسم الملك محمد بن مالك في سيرة الإمام موسى بن أبو المعالي، فعندما تولى هذا الملك الحكم في عمان وكانت عاصمته الرستاق، قام أكثر أهل عمان ناحية نزوى ضده، وقاموا على إثر ذلك بتعيين موسى بن أبو المعالي إماما لهم في عام 549 هـ. ويذكر التاريخ حدوث واقعتين بينهم، الأولى كانت في كدم وانتصر فيها الملك محمد، وهذه الواقعة ذكرت في رسالة بعثها هذا الملك إلى أهل عمان طالبا منهم عدم خوض الحرب والاستهانة بقوة اليحمد إلا أنه لم يستجيبوا لطلبه، فحدثت الواقعة الأخرى في الطو ناحية نخل وكانت الغلبة للملك ومقتل الإمام موسى بن أبو المعالي في عام 579 هـ. ارتبط اسم محمد بن مالك بن شاذان بلقب زعيم اليحمد لأنه تزعم جيوش اليحمد في المعركتين، والقرائن تشير إلى أنه من الصلوت، كونهم من تزعموا اليحمد وكانت لهم الحظوة في القيادات الدينية والقبلية.
ورغم ندرة المعلومات التي ذكرت عن سيرة هذا الملك، إلا أن الرسالة التي أرسلت إلى أهل عمان كانت مليئة بالنصائح والاحتجاجات وطلبات ايضاح الحق وإظهار برهان الصدق، فالسيابي وصفه بأنه هو الإمام الصحيح الإمامة، الرجيح في الاستقامة الذي تجب مناصرته لا الخروج عليه، كما أبدى البطاشي رأيا مهما حول شخصية محمد بن مالك فهو يعتقد أنه والإمام محمد بن أبي غسان ذات الشخصية، فالشيخ البطاشي أفاد بالقول أن الرسالة التي نسبت إلى الملك محمد بن شاذان المحتوية على بيتين شعريين والتي أرسلها إلى أهل عمان قبل خروجهم عليه، قد وجدها في بعض السير نُسبت إلى الإمام محمد بن أبي غسان، وأنه أرسلها إلى المشائخ قبل خروجهم عليه. كما ذكر البطاشي في كتابه رسالة وُجهت إلى شخص يدعى سعيد بن راشد بن علي، وهي تحمل اسم محمد بن مالك بن شاذان وقد اقترن اسمه بلقب الإمام.
يعد الإمام محمد بن أبي غسان من الأئمة المجهولين، فلم يُعرف تاريخ بيعته أو وفاته كما لم يعرف نسبه، إلا أن استقراء كبار المؤرخين للتاريخ العماني ذهب للقول بأن إمامة محمد بن أبي غسان كانت في القرن السادس الهجري، وذهب السيابي لتأكيد القول بأن إمامته كانت قبل ظهور الملك محمد بن مالك مباشرة، بل وذكر السيابي أنه " في هذا الوقت اشترك فيه ثلاثة أئمة مع الملك محمد بن مالك "، وهو يقصد بذلك محمد بن خنبش، وموسى بن أبو المعالي، ومحمد بن أبي غسان.
لقد قام أهل نزوى بالقدح في إمامة محمد بن أبي غسان وهو المنتمي للمدرسة الرستاقية والخروج عن طاعته، فما كان إلا أن تقوم الحرب بينهم وقد انتصر عليهم الإمام محمد بن أبي غسان. وهذا الحدث يتشابه بشكل كبير مع ما حدث في سيرة الملك محمد بن مالك لاحقا وفق الرأي السائد بأن محمد بن مالك ومحمد بن أبي غسان هما شخصيتين مختلفتين، بينما يعد رأي الشيخ البطاشي القائل بوحدة الشخصيتين رأي مقبول منطقيا.
لم يكن ذلك مقتصرا على الصلوت فيما يتعلق بظهور التحالفات القبلية بالتزامن مع ضعف الإمامة وانقطاعها، فقيام دولة النباهنة يعد تأكيدا على هذا، بالرغم من أن التاريخ الدقيق لظهور دولة النباهنة يمثل معضلة أمام الباحثين، ولكن من المتصور أن بداية ظهورها والتي قد تكون مع منتصف القرن الخامس الهجري بالتزامن مع ضعف مؤسسة الإمامة، فقد رثى الستالي الشاعر السلطان نبهان بن محمد بن عمر بقصيدة وذلك في عام 476 هـ، وقد تكون هذه الإشارة الأولى لظهورهم على مستوى مشيخة في نزوى، ويقول المعولي أن بداية استقلالهم السياسي أتى بعد مقتل الإمام موسى أبو المعالي، أي بعد غياب مؤسسة الإمامة. وليس بخافي على أحد أن دولة النباهنة استمرت فترة طويلة ربما تصل إلى 500 عام متقطعة، وقد اشتد عودها ما بين القرن السابع والقرن العاشر الهجري وذلك بالنظر إلى كثرة حكامهم وما ورد عنهم من أخبار وقصائد مدح في الدواوين الشعرية على مدى سنين طويلة، وذكرهم في جوابات الفقهاء العمانيين.
وخلال القرنين والنصف الذي لم يحظى بعناية مطلقة من الذكر، كانت هناك بعض الأحداث التي وقعت في عمان متزامنة مع تصدر ملوك النباهنة للمشهد السياسي في عمان، ومن هذه الأحداث، هجوم ملك هرمز محمود القلهاتي على عمان طالبا من حاكم عمان أنذاك دفع المنافع له، وكان ذلك في عهد السلطان كهلان بن نبهان بعام 660 هـ، وحاول السلطان كهلان دفع الأذى عن أهل عمان فوصفهم بأنهم ضعفاء لا يقدرون على دفع الخراج، فأضمر القلهاتي الشر واتجه إلى ظفار فقتل كثيرا من ناسها وسلب أموالهم، ثم بعدها ببضع سنوات حدثت واقعة أخرى في عهد السلطان عمر بن نبهان، وهو هجوم الشيرازيين بقيادة فخر الدين الشيرازي على عمان، واستطاعوا احتلال نزوى ولم يقدروا على احتلال بهلا، وكان ذلك في عام 674 هـ، وبعدها بمدة قليلة، هاجم آل الريس نزوى ودمروا حارة العقر وأحرقوا سوقها والمخازن المتصلة بالمساجد كما أحرقوا الكتب. وكان ذلك في عهد السلطان كهلان بن عمر بن نبهان عام 675 هـ.
كما يذكر البطاشي عن حدث تجاهله أغلب المؤرخين في كتبهم التاريخية في بداية الظهور السياسي للنباهنة، وهو مقتل العالم السمائلي أحمد بن النظر على يد الملك النبهاني خردلة بن سماعة الذي كان يحكم سمائل أنذاك، بعد أن رفض العالم ابن النظر قبول ظلم خردلة فأرداه قتيلا.
والجدير بالذكر أن القول بأن جميع ملوك وأمراء النباهنة هم ظلمة جبابرة ليس عين الصواب، والتاريخ شاهد على ذلك، فقد كان منهم من ذو سيرة حسنة مثل السلطان المظفر بن سليمان والسلطان فلاح بن محسن، وبعضهم كانوا علماء وفقهاء مثل السيد نبهان ابن السلطان أبو المعالي كهلان.
ملاحظة: يمكن الإطلاع على الرسالة التي وجهها الملك محمد بن مالك بن شاذان إلى الإمام موسى بن أبو المعالي في كتاب إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان وكتاب الإمام الصلت بن مالك وعهد الصلوت، بينما توجد الرسالة التي وجهها الإمام محمد بن مالك بن شاذان إلى سعيد بن راشد بن علي في كتاب إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان.
المصادر:
• تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان، الجزء الأول، عبدالله السالمي.
• اتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان، الجزء الأول، سيف البطاشي.
• عمان عبر التاريخ، الجزء الثالث، سالم السيابي.
• قصص وأخبار جرت في عمان، محمد المعولي.
• الإمام الصلت بن مالك وعهد الصلوت، محمد الصلتي ود.مديحة الجلاصي.
• https://www.nizwa.com/العلاقة-بين-الأئمة-والعلماء-وتطورات-ا/