مسقط - الشبيبة
بقلم : علي المطاعني
على الرغم من أنّ تصفية الشركات وإفلاسها في دول العالم أصبح أمرًا طبيعيا كغيره من المتغيّرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي؛ إلا أنّه للأسف يتم تأويل أي تصفية بالسلطنة بشكل غير مناسب، ويتم إرجاعها رجمًا بالغيب لإجراءات التوازن الاقتصادي أو غيرها من تكهنات؛ وكأنّ هذه الجوانب أصبحت شماعة تُعلق عليها كل الأخطاء.
والأسف الأكبر أنّ ذلك التأويل يتم بدون أي مبرر اللهم إلا زيادة الإحباطات وإثارة التشاؤم في الأوساط المحليّة، والتأثير على مناخ الاستثمارات في البلاد وإلى غير ذلك من مآرب دنيئة.
ولعلّ إثارة أمر تصفيّة بعض شركات إحدى المجموعات الاقتصادية الشهيرة في السلطنة وربطها بكل التطوّرات الاقتصادية في البلاد ما هو إلا نموذج من الشائعات التي تثار بلا دليل، ليأتي توضيح وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في وقته الملائم بعد ساعات من انتشار الشائعة؛ مبددا كل المغالطات التي ضخّمت مسألة تصفية الشركات وربطها ببعض الإجراءات الحكومية والتعمين وخلافه.. فالحقيقة التي حملها بيان الوزارة والذي جاء بعد الرجوع للمجموعة كان عكس ذلك جملة وتفصيلا؛ حيث أورد البيان أنّ التصفيّة التي أجرتها المجموعة تختص بالشركات التي أنشئت في العام 2019م ولم تمارس أي نشاط اقتصادي أو تجاري، لذا ارتأى الشركاء تصفيتها وفق الإجراءات القانونية والإدارية المتبعة والإعلان عنها في الجريدة الرسميّة.
لكنّ الأمر الذي يثير الدهشة أنّ البعض يهرف بما لا يعرف، ويتمادى في الإساءة إلى اقتصاد بلاده بنسج قصصٍ خيالية تحمل كمّا من المغالطات والتناقضات، وبالتالي يعرض نفسه للوقوع في الكبائر كالكذب والافتراء والتجني بدون أي تدقيق وتمحيص لصحة ما يكتبه أو يبثه أو ينشره في وسائل التواصل الاجتماعي.
إنّ أعمال التصفية ليست وليدة اليوم أو الأمس، وليست في السلطنة فحسب، بل ليس بالضرورة أن تكون سببًا لأي ظرف كان؛ وإنّما لها الكثير من الأسباب التي نصّت عليها المادة 40 من قانون الشركات ، حيث ذكرت عدة أسباب للتصفية منها الأسباب الخاصة بأصحاب المصلحة ذاتهم كالاختلافات الداخلية أو التوافق أو الاندماجات، ومنها أيضًا عدم مزاولة الشركة نشاطها من تاريخ تأسيسها أو توقفها عن مزاولته لأكثر من (2) سنتين قبل حلول الأجل المحدد للشركة، أو انتهاء الغرض الذي أنشئت من أجله الشركة، أو اتفاق الشركاء على فض الشراكة مثلا بعد انتهاء العقد بينهم، واحيانا تكون لظروف إدارية ومالية تتعلق بالشركاء أو أصحاب الشركات ذاتهم، أو عدم الإدارة الكفوءة لهذه المؤسسات.
لذا فإنّ ربط التصفية بالتطوّرات الاقتصادية ليس في محله بشكل عام، ويجب على من ينقل أو يأول أن يكون مطلعًا ومتأكدا من سلامة ما ينشره حتى لا يقع في المحظورات التي تُحمِّله دينيًا وإداريا مسؤولية ما بثّه من معلومات خاطئة عن هذه المجموعة أو تلك.
وعلى سبيل المثال؛ الحكومة خلال السنوات الفائتة منحت مزايا لشركات للاندماجات، وتوحيد سجلات ؛ وذلك بهدف الحد من تعدد السجلات الهامشية وتأثيراتها، وتطلّب ذلك إعلان تصفية شركات أو سجلات، ونشرت في الجريدة الرسمية كجانب قانوني مطلوب لإنهاء مسؤولية الأطراف أصحاب العلاقة، حتى يكون الإنهاء رسميًا وقانونيًا؛ ولا يُحمِّل أصحاب تلك الشركات أيّ مسؤولية، وفي حينها تمّ تداول خبر التصفيات بطريقة سلبية، صوّرت الأمر على أنّه إغلاقات وقطع لأرزاق النّاس وإلى غير ذلك في حين أنّ الواقع كان بعيدا تمامًا عن هذه السلبية ومجرد تصفيات لها مسوغاتها القانونية والاقتصادية لملمة الشركات لشخص في سجل واحد بدمج الأنشطة .
من جانب آخر نجد أنّ التصفية سواء كانت لظروف اقتصادية أو خاصة أمرٌ طبيعي لكون أنّ هناك زيادة في أعداد الشركات التي تمارس أنشطة واحدة؛ فعلى سبيل المثال: كم شركة مقاولات في البلاد؟ وهل نحتاج لكل هذه الشركات؟
إنّ تصفية عشرين شركة مثلا لا يعني أنّ هناك خللا في الاقتصاد أو عدم الحصول على أعمال، فعلى العكس تماما اي ان زيادة عدد الشركات أتاحها حرية في ممارسة الأنشطة الاقتصادية بالسلطنة كجزء من السياسة الاقتصادية الكلية المتبعة ؛ ولكن زيادة عرض هذه الشركات على الطلب من الطبيعي أن يؤدي إلى انسحاب بعضها من السوق وتصفيتها ، لكن ليس مرده خلل اقتصادي في البلاد.
في المقابل هناك شركات جديدة تنشأ وسجلات تفتح وأنشطة تمارس في مناخ اقتصادي ديناميكي أشبه بدورة الحياة التي نعيشها، وبمثلما أنّ الموت والحياة من سنن الكون بالنسبة للبشر فكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات والشركات؛ تنشأ شركات و تغلق أخرى، لذا ينبغي عدم المبالغة أو إعطاء الأمور أكبر من حجمها الطبيعي المعتاد عند التعاطي مع هكذا جوانب..الأمر الآخر اليوم وبحكم التطوّر التكنولوجي والتقنيات الحديثة أصبحت الحاجة ماسة إلى شركات وسجلات أقل، بجانب ضرورة تقليص الإجراءات الإدارية والهيكلية للشركات لاختزال التقنيات الحديثة للكثير من الجوانب؛ ومن البديهي أن تندمج الشركات أو تختزل بعضها بعضا ، لذا يصفى بعضها نتيجة دمج إنشطتها في بعضها البعض و ليست كمايشاع خروجها من السوق ..بالطبع تلزم الجهات المختصة الشركات بالإعلان عن التصفية كخطوة قانونية، ويتم إثباتها ونشرها في الجريدة الرسميّة التي تسجل كل القرارات بما فيها إجراءات التصفية؛ ولكن عندما تتاح مثل هذه البيانات يستغلها البعض سلبًا ويشرع البعض في إطلاق الشائعات، في حين أنّ الكثير من الشركات في دول العالم تصفي نفسها كل يوم بدون أن نسمع لها ضجيجا أو جلبة؛ ويبدو يحدث ذلك لدينا نتيجةً للشفافية المتبعة وحرية الوصول إلى البيانات، وعدم تقييد تداولها؛ لكن للأسف يُساء فهم مثل هذه البيانات ويتم تأويلها أو إضفاء استنتاجات خاطئة حولها وهنا تكمن خطورة مثل هذه الشائعات أو تضخيم بعض القرارات في إثارة الإحباط والهلع في الأوساط المحلية، وربما يؤثر هذا التأويل الهدام على الاقتصاد الوطني ومناخ الاستثمار.. لذا فإنّ توضيح وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار كان موفقًا؛ ليس بالإنابة عن المجموعة أو الشركات التي تمت تصفيتها مؤخرا ولكن تلافيًا لسوء الفهم حول مناخ الاستثمار في السلطنة وطبيعة تصفية المجموعة الاقتصادية التي أكّدت بأنّها ناتجة عن عدم ممارسة أنشطة تجارية.. إنّ تحوير مثل هذه البيانات في ظل الظروف الراهنة وربطها بها أمر يدخل في صميم جريمة إثارة القلاقل وتقويض الاقتصاد الوطني، وتعد من المحظورات التي يُجرمها القانون؛ لذا يجب عدم التمادي فيها. فمن الأهمية بمكان التنبيه بأنّ مثل هذه الشائعات قد تدخل البعض في دائرة الاتهام وفق القوانين ..بالطبع حرية التعبير متاحة في السلطنة بشكل كبير؛ لكن هناك فارق كبير بينها وبين إثارة اللغط والشائعات والبلبلة في الأوساط المحلية وتأثيراتها السالبة على ممارسة الأنشطة الاقتصادية..نأمل أن يتم التعاطي مع الشائعات والحد منها تشريعيًا، وأن يتم تجريم مثل هذه الممارسات التي تؤثر على الاقتصاد الوطني وما وراءها؛ فهناك بون شاسع بين الشائعة وبين الحرية الإعلامية التي لها أصولها وقاماتها وبين ما نشهده من إساءة استخدام البيانات وتحويرها بشكل يؤثر على سمعة الاقتصاد الوطني .