مسقط - الشبيبة
بقلم: محمد بن محفوظ العارضي
فرضت جائحة كوفيد-19 سيناريوهات عديدة وغير مسبوقة على مختلف الأسواق والشركات حول العالم، وهذه السيناريوهات أدت بدورها إلى تغيرات جذرية في أنماط الحياة، ونقص المواد في الأسواق، والانقطاع الحاصل في سلاسل التوريد، والارتفاع الحاد في الطلب على الخدمات الإلكترونية، الأمر الذي دفع بدول العالم كافة إلى محاولة التأقلم مع الأوضاع الجديدة. ومع التحرك البطيء نحو تجاوز تداعيات الجائحة، وقيام عدة دول بمنح اللقاحات للعاملين في الرعاية الصحية والمواطنين والسكان، يجب علينا أن نستفيد من دروس العام الماضي والتفكير مليّاً بالاتجاهات الناشئة في القطاعات والعادات المتنامية للمستهلكين والاستفادة من الخبرات المتوفرة في أهم المجالات لإعادة إنعاش اقتصاداتنا.
تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بميزة جغرافية استراتيجية ويتعين عليها أن تخصص العقد القادم كي تعزز دورها في مشهد الأعمال العالمي بصفتها جسراً يربط الشرق بالغرب. وتحتضن المنطقة بعضاً من أهم مدن الموانئ مثل دبي وجدّة وصلالة والشارقة، حيث تحتل هذه المدن المراكز 9 و31 و32 و39 على التوالي في قائمة أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في العالم وفقاً لمجلس الشحن العالمي.
كما شهدت البنية الأساسية الداخلية في دول المنطقة تطوراً هائلاً على مدار العقود الفائتة، بالإضافة إلى وجود كمّ كبير من المشاريع الجديدة. ويعد مشروع السكة الحديدة لدول مجلس التعاون الخليجي الذي سيربط الدول الستة، من أهم المشاريع في هذا السياق، إذ من المقرر أن تبدأ المرحلة الأولى من المشروع بالعمل في عام 2023، في حين ستكتمل المرحلة الأخيرة في عام 2025. وحالما يتم إطلاق الشبكة، ستوفر فرصاً تجارية متبادلة بين دول المنطقة وستعزز سهولة حركة المسافرين والمنتجات، كما ستقلل الاعتماد على السفر الجوي. وفي قطاع خدمات التجزئة الإلكترونية فإننا نرى إقبالاً متنامياً عقب انتشار الجائحة. وبالنظر إلى قطاع الاتصالات القوي والبنية التحتية الرقمية الجيدة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، يتعين علينا توسعة قطاع التجارة الإلكترونية والاستمرار في دعم بائعي التجزئة عبر الإنترنت من مختلف أنحاء العالم. لكن ما زال علينا تحقيق تقدم ملحوظ في المنطقة لتعزيز نقاط القوة وتقديم قيمة استثنائية للحلفاء والشركاء العالميين. ويجب أن تولي دول مجلس التعاون الخليجي الأولوية لهذا الأمر في ظل سعيها المتواصل إلى إصلاح اقتصاداتها.
إن تنسيق الخدمات اللوجستية وخدمات النقل مع أفضل الممارسات العالمية، ومراقبة التوجهات السائدة في القطاع، سيساعد بكل تأكيد على تعزيز مكانة المنطقة في مشهد الأعمال الدولي. فمثلاً، يمكن لشركات القطاع اللوجستي تنفيذ أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل واسع النطاق لكي تجسد التزامها بتبني التغيير. وتستطيع هذه الأنظمة تحسين عملياتها التشغيلية بطرق عديدة عبر توفير حلول تخزين مؤتمتة، والإشراف على إدارة المخزون، وتحسين أساليب الشحن. وفي ظل النمو المستمر لقطاع التجزئة الإلكترونية، يمكن لتقنيات البلوكتشين أن توفر قيمة ممتازة وأن تساعد في تلبية احتياجات العملاء المتنامية للتسليم السريع لطلباتهم، إذ تقوم تقنيات البلوكتشين بتوزيع البيانات الرقمية بطريقة آمنة، ونجد المزيد من الشركات تلجأ إليها عوضاً عن استخدام طرق التواصل الأقل أماناً وكفاءة والأكثر كلفة. من ناحيته، يشهد قطاع المنتجات المبرّدة الذي يشمل المأكولات والمشروبات والأدوية، نمواً هو الآخر، وخاصة في العام الماضي. ومن المتوقع أن تستمر سهولة النفاذ الإلكتروني لتلك المنتجات في التصاعد بعد الجائحة، خاصة وأن مزيداً من العملاء اعتادوا الآن على استلام المنتجات في منازلهم أو من موقع مخصص للاستلام.
وهذا يعني أن هناك فرصة متاحة في السوق لتطوير المنشآت لتخزين البضائع المبرّدة ونقلها بأمان.يمكننا أيضاً بناء شبكات خدمة متعددة القنوات وتتمتع بالكفاءة. ونظراً إلى التغيرات الجذرية في عادات المستهلكين، تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي بناء حلول إلكترونية مرنة توفر بدائل ناجعة لقطاع التجزئة التقليدي، مثل خيار الشراء عبر الإنترنت واستلام المنتج في المتجر.لا يمكننا التقليل من خطورة تداعيات جائحة كوفيد-19. لكن حتى أكثر المتشائمين يدركون أن دول مجلس التعاون الخليجي نجحت في إدارة الأثر الأكبر لهذه الأزمة والتخفيف منه. وبعد أن بدأت عمليات إعطاء اللقاحات والتحرك نحو مرحلة ما بعد الجائحة، يجب أن نحافظ على تركيزنا للتعافي والاستفادة من نقاط قوتنا وتوجيه مصادرنا لاستغلال الفرص التي ستحمي اقتصادات المنطقة في الأعوام القادمة من أية أزمات محتملة.