مسقط - الشبيبة
بقلم : محمد بن علي البلوشي
قبل سنين خلت كان مكتب الوالي أشبه بحاكم محلي للولاية ..يأمر وينهي وله السلطة العليا في تطبيق سيادة الدولة على أراضي الولاية فيحل المنازعات وله سلطة السجن إلى أن يحكم قاضي الولاية بين المتخاصمين..كان الوالي كل شيء حتى الشرطة كانت له سلطة عليها تأتمر به فكان هو الادعاء..عبره تصدر الموافقة أو يكتمل طلب جواز السفر أو البطاقة الشخصية.كان مكتبا يمثل هيبة الدولة ..مكاتب صغيره لكنها تعج بالناس.
ولإنهاء حاجاتك ينبغي عليك أن تذهب باكرا لحجز كرسي ولتخليص معاملتك ومع ذلك فإنك لن تخرج قبل الساعة 12 ظهرا والوالي لن تراه بسهولة لربما تحظى بمقابلة مساعده او منسقه لعرض ماوقع عليك في المعاملة..كان مكتب الوالي برزة .يصبح فيه الشيوخ والوجهاء يوميا إما أن تم إستدعائهم أو أنهم لابد ان يتواجدوا هناك لكونهم مراجع في قراهم ومايمكن أن تريده الدولة منهم لتوجيه جماعاتهم.
وفي مكتب الوالي ستسمع همسا صامتا او حراكا وضجيجا بين الحاضرين.لايخلوا من حكايات يتبادلها كبار السن أو المتخاصمين كلا حسب سبب حضوره..فالوالي كان مصلحا وقاضيا في كثيرا من الأحيان.
اما زيارة الوالي فكانت تزلزل القرية التي يطأها بمرافقيه من عسكر وموظفين واسطول صغير من السيارات ببنادقهم وعصيهم ..حسنا ماذا لو غضب الوالي من المتخاصمين..قد يؤدي بهم ذلك الى السجن" الحجز والتوقيف".
اما المناداة على الحضور فهي أشبه بقائد طابور عسكري يردد كلمات عسكرية فكان الحاجب او الحارس وهو يتمنطق حزاما ينادي على من له موعدا مع الوالي أو تم أستدعائه من قبل الوالي
كثر الناس وتطورت الحياة فتطورت معها الدولة فكبرت تشريعاتها وتوسعت مؤسساتها وترسخت قوانينها فعاد مكتب الوالي برزة للحكايات في كثير من الأوقات.
اليوم يعود مكتب الوالي من جديد إلى الواجهه..بعد التعديلات التي أجريت على الجهاز الإداري للدولة..وستعود معه سلطة اكبر.. من مجالس بلدية في الولاية الى البلديات بضخامة سلطاتها داخل كل ولاية وبتشعب مسؤولياتها التي تلامس كل مواطن ومقيم.ومعها سيكون الوالي هو الوجهة التي سيقصدها المواطنون.
وشكاوى الناس لاتتوقف..ولو توقفت لألغيت القوانين..ومع ذلك فإن إحلال سلطة الوالي على هذا الكيان الإداري الخدماتي مهم جدا ففي وقت مضى يتكبد الناس عناء الذهاب الى مسقط ..لقد توجهوا الى مكتب الوالي لكنه لايملك ادنى سلطة على مسؤول بلدي في ذلك الوقت في وقت تتزايد فيه مشاكل الناس ومصالحهم.
يعود مكتب الوالي ويعود الناس للحديث عنه ليس في بهو المكتب أو قاعة الإنتظار فقط بل وفي وسائل التواصل.سيتحدث الناس عن معاملاتهم التي تفقد أو عن تأخير مصالحهم بحجج لربما لاسند لها وعن تعسف في إستخدام السلطة الوظيفية لدى البعض..عن أعمال ومرونة وعن تصلب ورعونة.وسيعود الناس إلى مكتب الوالي وقد تغير كثيرا.يوم لم تكن به أجهزة حاسب إلي سيعمل اليوم بالتقنية الحديثة.
تتوجه الحكومة اليوم لمنح صلاحيات للمحافظات ومن المحافظات ستتفرع الصلاحيات إلى الولايات وفي الولاية يصنع دور جديد للوالي ..والوالي اليوم ليس كما كان قبل 30 أو 40 عاما..فكثير منهم متعلمون وسافروا وعرفوا أو قراو عن نظام الإدارة المحلية أو الحكم المحلي الصغير وكيف يمكن أن يدير البلدة أو الولاية..والمجتمع كذلك لم يعد هو المجتمع قبل أعواما طويلة فقد تغيروا ..ليس كثيرا لكن لن يكونوا نسخة من مجتمعات الثمانينات او التسعينات لربما.. وهو ماسيسهل التعامل معهم.
وحينما سيعود مكتب الوالي من جديد إلى الحياة المحلية لن يكون بنفس ماكان عليه في السابق فالقوانين والمؤسسات موجودة في كل ولاية ومع ذلك ينبغي أن يكون الوالي حلقة وصل مهمة بين الحكومة والناس.. ومالم يحل الوالي للناس مشاكلهم ينبغي على مكتب المحافظ أن يكون كذلك مفتوحا فالمهمة المقبلة شاقة فالحكومة ستمنح صلاحيات كثيرة للمحافظات وليس معنى ذلك فتح الحبل على الغارب فالصلاحيات وتطبيقها ومنحها سيكون محكوما بالقوانين.
في الواقع نحن نتهيأ لحكم لامركزي ليس مرة واحدة بل متدرجا ومدروسا ولمنح هذه الصلاحيات ينبغي علينا كذلك كمجتمعات أن نؤمن بقوة القانون وان المصلحة الجماعية العامة فوق المصلحة الضيقة طالما ان مجتمعا له تركيبة عشائرية تحرك غريزته في الحصول على المكاسب او المغانم.وسيتطلب ذلك أن تعدل المناهج الوطنية فقراتها لصالح فهم أعمق للإدارة المحلية وماذا يعني ذلك.لايعني الإنعزال ولايعني الأستحواذ لمجموعات على مجموعات أخرى بقدر مايعني بناء مجتمعات حيوية وتسهيل حياتها وخدماتها واقتصادها كذلك ..هل سنكون قادرين على مساعدة الحكومة على تطبيق هذا النموذج من الحكم المحلي في المحافظات والولايات.سنرى.