بقلم: محمد بن رامس الرواس ..
عند الحديث عن مسيرة نهج السلام في حياة جلالة السلطان قابوس بن سعيد - رحمه الله - ، فنحن بصدد الحديث عن واحدة من أفضل سيَّر العظماء في العصر الحديث ، حيث ستظل شخصيته خالدة في ذاكرة عُمان والإنسانية جمعاء، وسيظل نهجه السلمي العالمي عمقًا استراتيجيًا لمن أراد أن يستقي من معين الخيروالسَّلام الذي تركه ، فلقد بذل - رحمه الله - جهود مضنية على مدى خمسون عاماً من أجل أرساء السَّلام الإقليمي والدولي، فأصبحت سيرته منهاجاً يُحتذى به ، ونبراساً عالمياً يُقتدى به ، كما ستظل إنجازاته الخيَّرة لوطنه وشعبه شاهد عَيَان لنهضةٍ زاهية مباركة.لقد كان للسلام فلسفة في نهجه - طيب الله ثراه - فلقد استسقى نهجه المبارك في السعي نحو نشر السلام الداخلي للوطن والإقليمي والعالمي من نهج دينه الإسلامي الحنيف ومن منبعه الصافي القرآن الكريم، ومن الرسالة السامية المحمدية التي جاء بها سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومن معين تراث عُمان وأسرته الأصيلة وتاريخها المجيد، فاختط جلالة السلطان نهجه للسلام كرسالة آمن بها وعمل على تنفيذها خلال نصف قرن من الزمن ، ولقد ظهر ذلك جليًا في نهجه المبارك من خلال إبراز روح قيم السلام والتي هدفت إلى نشرالسلام داخليًا بعُمان وإقليمياً ودولياً، وللدلالة على نجاح هذا النهج القويم، سنتوقف عند عدة محطات في مسيرة رجل السلام - طيَّب الله ثراه - ،حيثُ ينقسم مفهوم السلام في نهجه إلى ثلاث مفاهيم وثوابت أساسية هي : إقرار السلام ،وصنع السلام ، وحفظ السلام ، ولقد كان - طيَّب الله ثراه - من خلال هذه المفاهيم الأساسية يهدف إلى نشر السلام والسعي نحو نهج اقليمي وعالمي مضمونه الخير للبشرية جمعاء، ولقد كلفه ذلك الكثير من وقته وجهده وفكره وصحته، ولكنه كان صاحب رسالة ، يهدف أن يصنع السلام من أجل الحاضر والمستقبل وللأجيال القادمة سواء لأبنائه في عُمان أو أخوته في الدين والإنسانية. لقد جنَّب السلطان قابوس - طيَّب الله ثراه- من خلال نهجه السلمي عُمان الكثير من الصراعات والتوترات الداخلية والإقليمية والدولية، ولم يظهر انحيازاً لطرف دون آخر عند انقسام الدول حول القضايا الخِلافية، ولقد كان عضو مؤسس في مجلس التعاون الخليجي، وشغله الشاغل القضايا العربية ، وكانت سياسته تتصف بحسن الجوار لمحيطه الاقليمي مثل الجمهورية الإسلامية الايرانية ، والهند وباكستان وكان حليفاً دولياً للولايات المتحدة وبريطانيا، وتَجْمعه علاقات اقتصادية مع الصين دول شرق اسيا والدول الافريقية ، وتربطه اتفاقيات ومعاهدات متبادلة مع أوروبا وصديق لروسيا وللجميع .كان نهجه - رحمه الله - الصراحة والواقعية والمصداقية وهي عنده أهم السُّبل لتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية، حتى أصبحت سلطنة عمان مثالًا يُحتذى من قِبَلِ الأسرة العربية والإسلامية والدولية.«السلام قانون الأخلاق» هذه فلسفة السلطان قابوس – رحمه الله - التي نشاء عليها واستمر متمسكًا بها خلال مسيرته النَّيرة في نهج السلام ، فهو داعية سلام وصاحب مشروع إنساني بدأه بوطنه ثم صدَّره ونقله إلى محيطه الإقليمي والدولي وللعالم أجمع،وختمه بمشروعه المؤتلف الإنساني ، فقد كان نهج السلطان قابوس -رحمه الله- في السياسة الدولية مدرسة تنطلق من فكر ورؤية سلمية للعلاقات بين الدول والشعوب، وقد أثبتت هذه المدرسة التي اختطها نجاحاً في أكثر القضايا الأقليمية والدولية تعقيدًا وتشعبًا، حيث تنطلق هذه الرؤية من قراءة واسعة للتاريخ والأحداث، وفهم حقيقي للعالم ومصالحه وقضاياه، وقراءة واعية مستنيرة لاستشراف المستقبل، وقدرة معرفية وحنكة سياسية لتنفيذها بعيدًا عن الضجيج والأصوات العالية. و أصبح بحق نهجه خلال الـ 50 عامًا مدرسة دبلوماسية سيتوقف العالم أمامها طويلًا للتعلم من تجربتها الحكيمة الرصينة.ولقد كانت محطات السلام خلال الخمسون عاماً كثيرة ومتعددة ، ولقد رصدت بعضها فقط من خلال هذا المقال للاشارة اليها ، فبعض هذه المحطات تحتاج حديث يطول شرحه وموسوعات تطول كتابتها.لقد كان للسلام الداخلي مع بداية استلام السلطان قابوس - طيب الله ثراه- مقاليد الحكم عام 1970عنوان لكلمته الشهيرة « عفا الله عما سلف» ووفر معها الأمن وعفا وسامح عن المغرر بهم من ابناء الوطن ، وعمل في ذات الوقت لأرساء منظومة الأمن والأمان ، ووضع لعُمان القوانين العادلة والتشريعات ، هذا بجانب تحديات أخرى، منها إخراج عُمان من براثن الجهل إلى مسالك النور والتقدم والتطور، وارساء دولة العدل والمواطنة والقانون والحقوق والواجبات والقيم ، فبدأ بتعمير عُمان بيد، ويدعو إلى السلام باليد الأخرى فهو يريد أن ينقل الحال من الرصاص حيث تجري المعارك مع فلول المتمردين إلى الغراس وزرع السلام بالوطن ، ولم يزل يعمل في هذا الشأن حتى أعلن عام 1975م انتصار السلام، فهناك الكثير من الاستحقاقات تنتظر أهل عُمان ليباشروها ، وكانت المحطة الثانية بنهجه المبارك استرايجية السلام الاقليمية ، فلقد حرص - طيب الله ثراه- على تعزيز مسيرة العمل الخليجي وعلاقاته مع جيرانه من خلال استراتيجية سلمية اختطها ، حيث عمل على إنماء البعد الاستراتيجي السلمي لكلا الطرفين الأشقاء ، والجيران فكان التكامل مع الأشقاء والتوافق مع الجيران، ومد يد الأخوة والسلام للجميع. ويحق لأهل عُمان بلد السلام والخير أن تفخر وتفاخر بهذا القائد الملهم الذي قدَّم للعالم أجمع نموذجًا في القيادة الفذة، وأصبح منهجه نموذجًا يُحتذى به ومدرسة يَنهل منها العالم، ويَنبوعًا يَروي نفوس التَّواقين لعلو راية السلام في العالم .