مسقط - الشبيبة
بقلم: محمد الرواس
«لقد استجبت لرغبات معالي سفيركم روبرتس وذلك بإبرام معاهدة صداقة وتجارة بين بلدينا العزيزين .. هذه المعاهدة التي سنتقيد بها بكل إخلاص أنا ومن يخلفني في الحكم وتستطيع سيادتكم أن تطمئن بأن كل السفن الأمريكية التي ترسو في الموانئ التابعة لي ستلقى نفس المعاملة الكريمة التي نلقاها في موانئ بلادكم السعيدة» السلطان سعيد بن سلطان
كانت ولا تزال العلاقات بين سلطنة عُمان والولايات المتحدة الاميركية تمثل جسر تواصل تاريخي مستمر منذ بداية قيامها في القرن الثامن عشر، ولقد كان للريادة العُمانية في التجارة الدولية البحرية خاصة، وموقعها الاستراتيجي، ورغبة سلاطينها في تقوية هذه العلاقات الدورالاكبر في عقد العديد من الاتفاقيات خاصة الاقتصادية منها ، وتطلع الطرفين من خلال ذلك لزيادة حجم النشاط الاقتصادي منذ وجود الامبراطورية العُمانية الي اليوم .
التاجرالإميركي (أدموند روبرتس) عندما زارزنجبار في عهد السلطان سعيد بن سلطان، وجد نشاطاً تجارياً مزدهراً وتسهيلات تجارية مرنة، فقد كان العُمانيون يتمتعون بذلك الحس التجاري العميق الذي يجعلهم تجاراً محترفين لهذه المهنة ، بجانب سيادتهم على البحار ووجود اساطيلهم الحربية بجانب سفنهم التجارية ، وكثيراً ما استخدموا الاثنتين للمهمات السلمية والاقتصادية ، وجد ذلك التاجر الإميركي ، العاج ، والذهب ، والجلود ، والقرنفل وغيرها الكثر من السلع الرائجة بزنجبار، وعندما عاد لبلاده كتب للرئيس الاميركي وقتها (أندرو جاكسون) يخبره بما تزخر به هذه البلاد من البضائع واقترح عليه عقد معاهدة واتفاقية تبادل تجاري بين البلدين ، وافق الرئيس الأميركي وعهد الي السيد روبرتس باجراء المفاوضات اللازمة ، تحرك على اثرها هذا التاجر النشيط مفوضاً بخطابات رسمية من حكومة الولايات المتحدة عبر السفينة الإمريكية (بيكويك) حاملة بعثة إلى مسقط ، وابرمت أول اتفاقية عُمانية اميريكية في سبتمبر 1833م وظلت هذه الإتفاقية سارية المفعول حتى عام 1958 حين إستبدلت بمعاهدة جديدة نظمت العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية بين البلدين.
جاء في رسالة السيد سعيد للرئيس جاكسون « لقد إستجبت لرغبات معالي سفيركم روبرتس وذلك بإبرام معاهدة صداقة وتجارة بين بلدينا العزيزين ..هذه المعاهدة التي سنتقيد بها بكل إخلاص أنا ومن يخلفني في الحكم وتستطيع سيادتكم أن تطمئن بأن كل السفن الإمريكية التي ترسو في الموانئ التابعة لي ستلقى نفس المعاملة الكريمة التي نلقاها في موانئ بلادكم السعيدة «.
كانت هذه الاتفاقية بمثابة جسر تواصل تجاري انتعشت من خلالها التجارة بين البلدين، فاستقبلت الموانىء العُمانية سفناً إميركية تحمل بضائع متنوعة ، ورجعت لبلادها بأصناف عديدة من منتجات الامبراطورية العُمانية الشاسعة ، ولقد مثل السيد (ريتشارد ووترز) في عام 1836م بلاده ليكون أول قنصل إمريكي مقيم في مسقط ، وبرغم ماشاب العلاقات من توتر ملحوظ بعد ذلك الا انها ظلت علاقات متماسكة ، وعندما جاء الرئيس الإمريكي (ميلارد فيلمور) لسدة الحكم بالولايات المتحدة ارسل مبعوثاً خاصاً إلى السيد سعيد بن سلطان وهو السيد (الكومودور أوليك) في اول ديسمبر 1851م ، وقابل السلطان سعيد بزنجبار ، كما اجتمع بالتجار الإميركيين ، واسعده أن اخبروه بمدى حسن معاملة السلطان لهم واعطائهم الكثير من الامتيازات التجارية ، فكتب للحكومة الاميركية بما سمع وشاهد من مودة التعامل من الطرف العُماني، لذا فقد حرصت الولايات المتحدة على إختيار قناصلها في مسقط وزنجباربعناية خاصة بهدف تطوير العلاقات بين البلدين والتي أخذت تتنامى منذ عام 1852م، ومنذ ذلك التاريخ بقيت العلاقات مستمرة ومتصلة، ومع بداية عصر النهضة المباركة 1970م وقعت معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية عام 1972 وفي العام 1973 تم افتتاح السفارة الإميريكية بمسقط وفي العام 74 فتحت السلطنة سفارتها بواشنطن ، توافدت عقب ذلك البعثات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين الصديقين وعقدت العديد من اتفاقيات الاستثمار، وكان اهمها اتفاقية التجارة الحرة الثنائية التي تم توقيعها عام 2006م بهدف تعزيز الاستثمار بين البلدين ولقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2009م ، ولقد ظلت العلاقات تتسم بالصداقة والعمل المشترك لما فيه صالح التعاون المثمر اقليمياً ودولياً.
واليوم تتطلع هذه الشراكة خاصة الاقتصادية منها بين الجانبين العُماني والإميركي الي إيجاد المزيد من فرص الاستثمارية المشتركة في ظل النهضة العُمانية المتجددة ، وتحديث بعض البنود بالاتفاقيات الاقتصادية المثمرة التي يحتاج لها أن تتجدد ليتحقق المزيد من المنافع لكلا الطرفين خاصة في الصادرات غير النفطية.