علي بن راشد المطاعني
(لا يضيعُ حقٌ وراءه مطالب).. هذا المثل ينطبق تمامًا على الحالات التي لا يكلّ ولا يملّ أصحابها من المطالبة بحقوقهم من الآخر، حتى وإن كانت جهات اعتبارية حكوميّة؛ في ظلِّ توفر كل السبل لذلك في دولة المؤسسات والقانون، والتي تكفل حق التقاضي للجميع، وهذا ما أثبته عمليًا حُراس المدارس بوزارة التربية والتعليم بعد صدور حكم لصالحهم، وبعد امتناع الوزارة عن التنفيذ تمّ إلزامها بدفع غرامة أسبوعية تبلغ 300 ريال بعد انقضاء 10 أيام من تاريخ إدانتها وإلى تاريخ تنفيذ الحكم، بالإضافة إلى تغريمها ألف ريال في سياق منطوق الحكم؛ الذي ألزم الوزارة بصرف الأجر الإضافي المستحق لهم .
الحكم صدر بعد سنوات من التقاضي وتحديدًا من عام 2016.. ومن ذلك نخلُص إلى أنّ المبدأ الذي ترتكز عليه حقوق الغير لا يسقط بالتقادم؛ مهما كان حجمها ضئيلا أو كبيرًا، وذلك يؤكّد بأنّ حقوق الغير مُصانة في الدولة متى ما عرف الفرد السبيل الصحيح لأخذها، ومضى غير هيّاب للقنوات القانونية السليمة المؤدية لنيل أو انتزاع تلك الحقوق.
فالاستمرار والاستماتة في طلب الحقوق من الطبيعي أن تؤتي أكلها في نهاية المطاف، وهو ما حدث على وجه الدقّة بالنسبة لهؤلاء الحُراس؛ إذ كانت قضيتهم العادلة تتلخص في المطالبة بحقوقهم في نظام العمل الخاص بحراسة المدارس والمنشآت التابعة لوزارة التربية والتعليم، حيث حددت الوزارة لكل مدرسة أو منشأة 3 حراس، يعمل كل واحد منهم لمدة 24 ساعة، تبدأ من السادسة صباحا وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، تعقبها راحة لـ 48 ساعة، وهو ما رفضه الحُراس؛ حيث كان لكل مدرسة أو منشأة 4 حراس يتناوبون في العمل، ورفضت كذلك تعويضهم نقديا عن الساعات الإضافية في حالات الإجازات والعطلات؛ فما كان منهم إلا أن ذهبوا لساحات القضاء ومنصّات العدالة لإنصافهم بعد المراجعات والمطالبات المتكررة مع مسؤولي الوزارة، فجاء الحكم بعد مداولات متتالية بمحكمة القضاء الإداري، ولم يكتفوا بالحكم فقط وإنّما واصلوا في مطالبة الوزارة بتنفيذه بعد امتناعها عن ذلك من خلال محاكم التنفيذ الجزائية .
فالحُراس على الرغم من إمكانيّاتهم البسيطة والمتواضعة مقارنةً مع جهة حكوميّة تملك ما تملك، إلا أنّهم مضوا في مقاضاتها بشجاعة من محكمة لأخرى، ومن محافظة لأخرى، بدون كلل أو ملل رغم ما يعترضهم من تحديات في تعيين محامين للترافع عنهم؛ فكان القضاء الإداري مُنصفا وعادلا ولم يخب ظنّهم فيه. إلا أنّهم لم يكتفوا بالحكم الإداري، وإنّما انتقلوا إلى القضاء الجزائي بعد امتناع الوزارة عن تنفيذ الحكم باستصدار حكمٍ آخر .
لقد بذل هؤلاء الحُراس جهدًا خارقًا في التعريف بقضيّتهم، وطرحها على منصّات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في إطار ممارسة حقوقهم الاجتماعية في التعبير عمّا يجيش بصدورهم من إحساس مؤلم بالظلم الذي حاق بهم، وأملا في الوصول لشواطئ الإنصاف مهما طال الطريق المؤدي إليها؛ غير أنّ الجميل هنا هو أنّهم لم يكتفوا بطرح قضيّتهم عبر القنوات الافتراضية فقط وإنّما توجّهوا للمكان الصحيح وهو ساحات القضاء؛ وهذا هو النهج السليم في هكذا أحوال، بالطبع في هذا الشأن وبهذه المناسبة السعيدة لا يسعنا إلا أن نزجي عاطر التحايا لمحكمة القضاء، ونحيي الأحكام العادلة والمنصفة، والتي تعد بمثابة لطمة قويّة للظلم أيًّا كان وأينما وجد على ثرى هذه الأرض الطيبة، نأمل أن نستلهم من القصة الدروس والعبر في كيفية نيـــل الحقوق، وألا نكتفـــــي بالصراخ والعويل وكيل الاتهامـــــات في الفضاءات الافتراضيـــــة بدون اتخاذ خطوات عملية وميدانية تجاه المنظومة العدلية؛ فهي وحدها القادرة على إنصاف المظلومين في دولة المؤسسات والقانون.