مسقط - خالد عرابي
لطالما عرف اليمن بأنه اليمن السعيد.. وهي عبارة لن يمحوها شيء وحتى أبد الدهر.. رددناها في الصغر وما زلنا نرددها ونحن نرى أن اليمن -وبكل أسف- صار من أتعس البلدان وأفقر الشعوب على وجه الكرة الأرضية وسنرددها في الكبر ونحن لا نعرف سيكون وضعه في حينها.. اليوم نرى كيف هو حال اليمن وما آل إليه وضعه ومع هذا أبة الألسنة أن تنطق اليمن بمفرها فما أن تذكر اليمن إلا ونلحق بعا "السعيد" مباشرة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ونراه في يوم من الأيام وقد عاد إلى حاله ومآله وطبيعته وإلى عزه ومجده وسعادته الحقيقية بعد أن أتعسه وبكل الأسف الأقارب بل أقرب الأقارب، وليس الأقارب فحسب بل حتى الأهل والعشيرة إذا أن اليمنيين أنفسهم ليسوا بمنأى عما حدث وعن أسباب ما وصل إليه حال اليمن اليوم.
نعم أعرف وأقولها بكل صراحة ووضوح وبلا تردد أن حال ومأل اليمن ليس بيده ولا بيد أهله أقصد اليمنيون أنفسهم بل "بيد عمرو" -وليت عمرو هنا واحد فقط بل هم كثر - فهناك لاعبون كثيرون يتحكمون في حال ووضع ومآل وحاضر ومستقبل اليمن وشعبه، فمنهم من وصفتهم بالأقارب ومن الأهل والجيران وحتى الأهل والعشيرة وإن كنت لا أقصد به التفكك الذي وصلت إليه اليمن بسبب النظام القبلي والتزمت والتشدد والانتماء للأهل والعشيرة على حساب الوطن، إلا أنها في ذات الوقت قصدت به الأهل والعشيرة من الأقارب والجيران من الدول العربية التي كان لها دور كبير فيما حدث في اليمن اليوم.. ثم أعدد اللاعبون الدوليون في اليمن والذين بيدهم مصير اليمن أكثر من أهله لما لهم من مصالح فيه بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك إيران التي تلعب أيضا دورا كبيرا لما وصل إليه تأثيرها بسبب الوجود الحوثي هناك والذي لم يكن له وجود ولا تأثير حقيقي قبل المشكلة الأخيرة والصراع الدائر أي قبل ست سنوات.
خير وخيرات اليمن
وأما عن السبب في هذا التنافس والصراع الدولي على اليمن فمعظمنا إن لم يكن الجميع الآن يعلم أسبابه التي لم تعد تخفى على أحد وهي خير وخيرات اليمن وموقعه الجغرافي الإستراتيجبي الحيوي إذ يقع بل ويتحكم في مضيق باب المندب وكذلك ما به من نفط وغيرها الكثير وبالتالي فإن الصراع الحقيقي على اليمن هو اقتصادي أكثر منه ديني ولا طائفي، فلا سنة ولا شيعة ولا حوثي ولا زيدي ولا غيره، وإلا فلماذا لم نسمع عن مثل هذا ولعشرات من العقود بل والقرون قبل ذلك؟؟
واليوم وبعد مرور قرابة ست سنوات على الأحداث في اليمن والصراع القائم فيها وفي ظل وجود تأثير قوات التحالف العربي ووجود دعم الشرعية وقواتها، وفي ظل وجود الحوثي وجماعته وغيرها من الأطراف العديدة المحلية والدولية؟
لا أستطيع وبكل صراحة ووضوح أن أرى إلا حالة الجوع والفقر والمرض، وحالة والفوضي واللا أمن التي وصلت إليها البلاد ووصل لها الشعب اليمن نفسه، فوفقا لأحدث بيان لمكتب المجلس النرويجي للاجئين، وبحسب بيان لمدير مكتبه في اليمن السيد محمد عبدي، ووفق الإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة فإن الأوضاع صادمة للغاية، حيث تؤكد الإحصائيات أن 13.5 مليون يمني معرضون لخطر المجاعة، وأن ما يقارب 17000 شخص يعيشون بالفعل ظروف المجاعة، كما أن من المتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام في الأشهر الستة القادمة.
وقد وصف المجلس النرويجي للاججئيم الحال في اليمن أدق توصيف: "لقد حولت ستة أعوام من الحرب الغذاء إلى سلاح يستخدم ضد الشعب اليمني على شكل حصار اقتصادي وقيود على الواردات وهجمات قاسية على المزارع والصيادين. وبينما تبدو الأسواق ممتلئة أصبح الطعام بعيد المنال بالنسبة للملايين الذين لم يعد بإمكانهم تحمل تكلفتة."
كل هذا يحدث بل والطامة الأكبر فحتى المساعدات الإنسانية بدأت تتضائل وتتراجع بشكل كبير، فعلى سبيل المثال وكما أعلن المجلس النرويجي للاجئين: "ففي ظل الإنهيار الاقتصادي وإنخفاض تمويل، وبسبب إنخفاض التمويل إضطررنا في إلى خفض مساعدتنا الغذائية بمقدار النصف لتشمل 360 ألف شخص. في الوقت الذي يخبرنا فيه أرباب الأسر أنهم لايتناولوا وجباتهم بإنتظام حتى يتمكنوا من توفير الطعام لأطفالهم وأن لاينام أطفالهم جائعين".
اللطمة القاسية والضربة القاسمة
هذا وكان اللطمة القاسية والضربة القاسمة التي لم ترحم فقر الفقير ولا ضعف الضعيف وهي الجائحة العالمية لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والتي ضربت اليمن بل وكانت أقسى عليه من غيره من بلدان العالم وذلك بسبب ظروفه المادية والمعيشية وتدني الدخول ومستوى الفقر الذي وصل إليه بل و شح الغذاء والطعام والدواء وغيرها من الأشياء الضرورية، مما جعل المئات بل الآلاف من اليمنيين عرضة للإصابة في ظل النظام الصحي المتهالك في البلاد.
في 26 مارس الماضي مرت خمسة أعوام بالتمام والكمال على تصاعد الحرب في اليمن، ما يعني أننا في أواخر العام السادس الآن من الأزمة بل من الكارثة الإنسانية، فست أعوام من الحرب والصراع أدت إلى التضرر والدمار ودمار آلاف المستشفيات ، وإنهيار لشبكات المياه والصرف الصحي. مما جعل اليمنيون ليسوا عرضة لكورونا فحسب، بل هناك انتشارلأمراض أخرى، منها الكوليرا التي يرجح أن يتجدد إرتفاع عدد حالات الإصابة بها مع بداية موسم الأمطار.
وقد وصف الوضع في اليمن بكل دقة وتفاصيل مدير مكتب المجلس النرويجي للاجئين لليمن، السيد محمد عبدي حيث قال في تقرير سابق: " لقد شلت قرابة 6 سنوات من الحرب قدرة اليمن على إحتواء أي تفشي للأمراض وهي الآن في سباق مع الزمن للاستعداد لذلك"، وأضاف قائلا: "في غضون ذلك ، تؤدى عمليات العنف المتصاعدة في أجزاء من شمال اليمن إلى وضع المدنيين مجدداً تحت خط النار، مما يهدد بإنزلاق البلاد إلى صراع واسع النطاق. فقد نزح قرابة 40 ألف شخص في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام في مأرب والجوف، مما أدى إلى إجبارهم على الاكتظاظ في أماكن محدودة. فهم يفتقرون الآن إلى المياه والصرف الصحي ، والرعاية الصحية أو توفر أي ظروف تمكنهم من تطبيق "العزل الذاتي"، وكل ذلك يجعلهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس."
وقال عبدي: " في الفترة ما بين ديسمبر 2019 ونهاية فبراير الماضي قتل وجرح أكثر من 500 مدني، وشهد الشهرين الأولين من عام 2020 سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في محافظة صنعاء والجوف ومأرب بما يقارب نفس عدد الضحايا الذين سقطوا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019. تظهر هذه الأرقام الإتجاه الإيجابي الذي إتسم به النصف الثاني من عام 2019 حيث أدى وقف إطلاق النار - على المستوى المحلي – وخفض مستوى التصعيد إلى إنخفاض عدد الضحايا المدنيين من 215 إلى 154 شهريا، وانخفاض للضربات الجوية بنسبة 71% مقارنة بالعام السابق.
وأشار إلى أنه " شهدت ست سنوات من الحرب ارتفاعا كبيرا للإحتياجات الإنسانية في اليمن. حيث ارتفع عدد اليمنيين الذي يحتاجون للمساعدات من 21 مليون في عام 2015 إلى 24 مليون هذا العام وهو مايشكل 80% من عدد السكان، كما ارتفع عدد الأشخاص المهجرين من مليون شخص في عام 2015 إلى 3.6 مليون - بزيادة قدرها 36%. وزاد عدد الأشخاص الذين هم بحاجة للغذاء من 12 مليون في عام 2015 إلى 20 مليون شخص وذلك مايجعل اليمن الآن تقف على حافة المجاعة.
وقال عبدي: "لقد حان الوقت للأطراف المتحاربة لإلقاء أسلحتهم وقنابلهم والإتفاق على وقف شامل لإطلاق النار واستئناف محادثات السلام على وجه السرعة وإنهاء هذا الصراع إلى الأبد".
اليمن بالحقائق والأرقام
أما إذا أردنا أن نشخص حال ووضع اليمن بالحقائق والأرقام ووفق الاحصائيات حتى مارس الماضي فقط فقد:
• ارتفع عدد المحتاجين للمساعدات في اليمن من 21 مليون في عام 2015 إلى 24 مليون في عام 2020.
• نزح مليون شخص في عام 2015 مقارنة بـ 3.6 مليون في عام 2020.
• بالرغم من انخفاض النزوح في عام 2019 ، فقد هجر أكثر من 12.000 شخص من منازلهم كل شهر.
• 12 مليون في عام 2015 كانوا بحاجة إلى معونة غذائية وصل هذا الرقم إلى 20 مليون في عام 2020.
• إحتاج 1.2 مليون شخص إلى مأوى في عام 2015 مقارنة بـ 6.7 مليون في عام 2020.
• إحتاج 15.2 مليون شخص إلى دعم صحي في عام 2015 مقارنة بـ 19.7 مليون شخص في عام 2020.
• إحتاج 2.9 مليون طفل إلى دعم لمواصلة التعليم في عام 2015 مقارنة بـ 4.7 مليون شخص في عام 2020.
• إحتاج 1. 5 مليون شخص إلى مساعدات لدعم التغذية في عام 2015 مقارنة بـ 7.4 مليون في عام 2020.
• 17 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى الدعم بالمياه والصرف الصحي والنظافة.
والآن هل انتهى الأمر ووقفت الأمور عند هذا الحد ولا يوجد حل لذلك ولا لتلك الكارثة الإنسانية و القنبلة البشرية الموقوتة؟ نقول: لا. بل " لا يزال لدينا الوقت لتغيير مجرى هذا المسار ومنع حدوث مجاعة تاريخية أخرى، لكن علينا أن نتصرف على الفور فانتظار إعلان المجاعة من أجل التحرك سيحكم على مئات الآلاف من الأشخاص بالموت، بشكل يشبهه ما رأيناه في الصومال في عام 2011. لقد ساعد تمويل المساعدات والدعم السخي للاقتصاد في العام 2018 - والذي جاء في الوقت المناسب - على درء خطر المجاعة ، اليمن اليوم بحاجة إلى دفعه مماثلة من المساعدات لدعم الأسر على الاستمرار والبقاء على قيد الحياة، بالإضافه إلى الحاجة لإنهاء الصراع وجميع الأعمال التي يقترفها البشر وتدفع الكثير إلى المجاعة. زالأهم أن يتحرك ضمير العالم والبشر والبشرية وأصحاب القرار الحقيقين وأن يغلبوا الإنسانية والحرية و الديمقراطية والليبرالية والعدل و الحق والسلام و التسامح وغيرها من كل هذه المصطلخات الرنانة -والجميلة والعادلة في معنها الحقيقي وليس المتاجرة بها- التي يتحدثون عنها وصدعونا بها عل حساب المصالح والصراع الاقتصادي وأن يعملوا بشرف على حل هذا الصراع لأن أمر ومستقبل اليمن واليمنيين لم يعد بأيديهم.