مسقط - الشبيبة
بقلم: علي بن راشد المطاعني
لم أجد أفضل من هذا البيت من قصيدة للشيخ طاهر بن مبخوت الجنيبي، لأبدأ به هذا المقال الذي اقول فيه ما بعد الخمسين عاما من التنمية والبناء والتشييد في وطننا العزيز، فالقصيدة التي غُنيت في فن العازي المشهور في السلطنة بمناسبة الإحتفال بالعيد الوطني الخمسين المجيد، تبلور الكثير من المعاني الرائعة التي تحكي ملحمة وطنية تحققت في هذه الأرض الطيبة وتستشرف في ذات الوقت آفاق المستقبل الأكثر رغدا لعُمان وشعبها بحول الله، وتوجه رسائل قوية بلغة شعرية ممزوجة بالآداء الرائع لفن العازي للمؤدي محمد بن سعيد البادي.
القصيدة لامست العديد من المعطيات الراهنة وتوجهات الحكومة وما يتطلبه من الجميع في هذه الظروف الإقتصادية والصحية التي يتعين أن تتضافر فيها الجهود وتتكاتف فيها السواعد ويتوحد تحت راياتها أبناء الوطن لتجاوز كل المحن والصعاب والتحديات.
ولعل البيت الذي قال فيه (عشان على حب الوطن في وقت الرخاء والمحن) يحمل رمزية ذات لون مبهر تؤكد بأن المواطن العُماني كان وسيظل يعيش ويفنى على حب وطنه في كل الظروف وفي كل الأوقات وفي أحلك الليالي ظلاما وفي اقسى ظروف المحن، وما هو قائم الآن صحيا محليا وعالميا يندرح تحت هذا التحدي الذي يستقبله المواطن بصبر وجلد وبعزيمة لا تلين والمؤطر بباقات إيمانية صلبة موقنة بأن الإبتلاءات هي دروس ربانية يتضح عبرها عمق هذا الإيمان ومقدار إحاطته بالقلوب التي في الصدور.
الأمر الذي يبعث على الإرتياح لهذا التعاطي الوطني رفيع المستوى من مختلف شرائح المجتمع ومن المثقفين والكُتاب والشعراء والفنانين وغيرهم في زخم الإحتفاء بهذه المناسبة العطرة، وقد كان الآداء رائعا ومتناسقا جسد الكثير من المعاني وأكد عمق الكثير من الدلالات الحاضة على حب الوطن ونكران الذات والذود عنه بالمهج والأرواح، ملامسة في ذات الوقت تاريخ عُمان الحافل والقديم أصالة قِدم هذه الأرض المعطاءه مشيدة بالأسرة الحاكمة التي بنت مجد هذه الوطن ونحن نقف على أعلى تلة من التلال الشامخات لهذه الذكرى الأهم.
بلاشك أن الكثير من القصائد التي ألقيت في هذه المناسبة والشعر المغني الذي تسربل عفويا عبر حناجر المغنين، ومن أعماق ملكات الملحنين الإبداعية، مدفوعة بإبداعات الأدباء في شتى صنوف الأدب، وعبر الندوات والأمسيات الشعرية تبارى الشعراء أيضا في كافة صنوف الشعر وعبر كافة مسمياته التقليدية والحداثية، كل ذلك كان حاضرا ليوثق لهذا اليوم المضئ في تاريخ عُمان الجديدة.
ولو لم تكن المناسبة عظيمة كعظمة الوطن لما إستطاع الشعر أصلا أن يتسربل من تلقاء ذاته بعد أن تلقى إشارة السماح أو (السموحة) من سويداء ذات الشاعر المنفطر قلبه ولعا وحبا وهياما للوطن، ولما إستطاع المغنى والمردد أن يجيد وأن يحسن مخارج الأصوات لتصب سلسبيلا عذبا يشنف الآذان في يوم سيظل أبدا الدهر يُذكر.
لنخلص في نهاية المطاف إلى حقيقة أن الإبداع وإذا ما أنفجرت مكامنه في نفوس المبدعين في شتى مجالاتهم فما من شك أن هناك أمر عظيم وحدث جليل أوعز إليه بأن يتدفق في هذا اليوم تحديدا، من هنا ندرك الأسباب التي جعلت هذا الفيض النمير من الإبداع يجري كنهر خير ليشق أرض الوطن من أقصاها لأدناها، تلك هي الذكرى ال 50 لنهضتنا المباركة أعزائي.