مسقط - الشبيبة
بقلم : علي المطاعني
نحتفل في هذه الأيام بالعيد الوطني الخمسين للنهضة المباركة، وسط مستجدات ومتغيرات كبيرة فرضت علينا واقعا جديدا يجب التأقلم معه والتكيف مع معطياته كشعب عرف عنه صلابته عبر تاريخه العريق في تجاوز المحن والصعاب، وسجل عبر مسيرته الهادرة نحو المجد الكثير من المواقف والبطولات، لا تثنيه الأزمات أيا كانت ضخامتها عن تحقيق أهدافه في خضم المتغيرات التي عصفت بكل شيء في عالمنا، ففي هذه الظروف حالكة القسمات التي يعيشها العالم ونحن جزء منه بطبيعة الحال من تحديات إقتصادية وصحية غير مسبوقة منعت حتى الإحتفال بهذه المناسبة المضيئة.
فهذه الظروف الاقتصادية والصحية العصيبة، تذكرنا ببدايات النهضة المباركة عام 1970، التي انطلقت من الصفر بقيادة المؤسس للنهضة المباركة جلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - لتعيد بناء وطنا مترامي الأطراف وقع في عزلة ردحا من الزمن عن العالم وضربت من حوله الأسوار وقيدت فيه الحريات والحركة، وخيم ثالوث الجهل والأمية والتخلف على شعبه عقود من الزمن طويلة.
وبعد تولي المغفور له بإذن الله مقاليد الحكم في البلاد في الثالث والعشرين من يوليو المجيد، هب الشعب العُماني خلف قيادته الحكيمة ليعيد بناء هذ الوطن التليد، ويطوي سنواته وعقوده العجاف في سباق محموم مع الزمن بتعاضد وتكاتف وتآزر كل أبناءه في الداخل والخارج الذين لبوا نداء العودة إلى الوطن، فأضحت السلطنة عبر هذه الملحمة التاريخية في مصاف الدول المتقدمة في كل مجالات التنمية والعمران ومضت بعيدا في توفير الحياة الكريمة للمواطن وبسطت الأمن والإستقرار في كل ربوع البلاد.
فاليوم ونحن نحتفل بعيد النهضة الخمسين لا يسعنا، إلا إجترار بدايات النهضة المباركة لنتأمل في كيف أسهم الشعب العُماني مع قيادته في بناء هذا الوطن وكيف تجاوز التحديات في كل الميادين، وكيف أفلح في ترسيخ وحدة وطنية صلبة عصية على عوادي الزمن في وطن (كان) قد مزقته الفرقة وأعملت فيه معاول التشظي ما بوسعها، وتاصلت في أرجاءه عوامل الشتات كالقبيلة والمناطقية والمذهبية والعرقية وغيرها من معيقات التنمية وجميعها مؤججات معترف بها للصراعات الداخلية التي تنخر وما برحت في عمد وأركان العديد من الدول إلى يومنا هذا.
لقد إستطاعت النهضة المباركة توحيد عُمان بكل أطيافها وعرقياتها وقبائلها وولاياتها على كلمة سواء تحت ظلال وارفة لوطن واحد ومتحد وتحت قيادة حكيمة بعيدة النظر وتحت علم واحد ما أنفك يرفرف بالشموخ كله في أعالي الساريات وعلى قمم جبال عُمان الشاهقات منذ ذلك الوقت وإلى ماشاء الله.
ونستحضر اليوم كما ينبغي ونحن نحتفل بهذا اليوم الأغر من تاريخ عُمان الحديث التحديات التنموية والجغرافية والطبوغرافية الصعبة والتي تم إجتيازها بنجاح كامل ولم تستطع أن تقف حائلا أمام مد عنفوان وزخم التنمية لكل أرجاء هذا الوطن الشاسع، لتصل نسائم التنمية لكل أرجاءه بغير إستثناء ولينعم المواطن ولأول مرة بالتعليم والصحة والكهرباء والمياه والطرق وغيرها من عطاء النهضة اللا محدود.
ونستحضر في هذا اليوم كذلك نعمة الأمن والأمان والإستقرار التي إستتب لها الأمر في كل أرجاء البلاد وكانت هي القاعدة الأكثر صلابة ومتانة لصروح النهضة العمرانية والحضارية والفكرية، ولولاها لما قام بناء ولما سمقت شاهقات على ثرى هذه الأرض الطيبة.
ونستحضر اليوم كذلك نعمة تحقيق دولة المؤسسات والقانون والمشاركة السياسية للمواطنين في إتخاذ القرار السياسي عبر مؤسسات وقنوات شُيدت وأقيمت ليتسنى لها إيصال صوت المواطن بكل تفاصيله وجزئياته إلى مكامن ومواضع إتخاذ القرار، تلك هي الصيغة المثلى لمشاركة الموطن في إدارة وطنه.
ونقف اليوم إجلالا لما نعايشه واقعا ملموسا وحيا لكل ما تحقق من مقومات لا تخطئها عين للعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص، ولينعم الجميع بالمساواة في الحقوق والواجبات تماما كما يحب ربنا ويرضى، ونقف اليوم توقيرا للخط الإيجابي الإنساني الذي عرفت به السلطنة كحمامة سلام بين الشعوب المتصارعة والمتحاربة وسعيها الدؤوب لإرساء دعائم السلم العالمي وحقن الدماء لما فيه خير البشرية جمعاء، فالسلام ككلمة ومعنى وهدف كان هو الغاية التي سعت السلطنة لترسيخها على أمتداد كوكبنا إيمانا منها بأنه الأساس لتنعم البشرية بالرخاء وبالحياة الكريمة لشعوب كوكب الأرض قاطبة.. ويحق لنا اليوم إستنهاض العزائم لنهضة عُمانية جديدة ومتجددة يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - لمواصلة المشوار لبناء عُمان المستقبل مستندا ومرتكزا على إرث حضاري ولا أعظم، وماضي تليد هو الأعرق في شبه جزيرة العرب.
على كل ذلك لايجب أن نسمح للظروف المحيطة بنا والعالم أن تثنيا من مواصلة ذات الإنطلاقة بكل زخمها وعنفوانها، فهي وفي مطلق الأحوال ليست بأصعب من تلك التي واجهها الشعب العُماني عام 1970، بل يمكننا القول أن مانعيشه اليوم هو ارحم وأهون، فعلى الأقل إنطلاقتنا الجديدة لا تتوسد (الصفـــر) إرتكازا ونقطة إنطلاق، بل إننا ننطلق مجددا من القمة وهدفنا الكواكب البعيدة السيارة لا أقل.
نأمل ان تتواصل فرحتنا ويستطيل التفاؤل في نفوسنا طولا وعرضا فعُمان المستقبل الزاهي والأرغد هو الهدف والمبتغي وأن جحافل جيوش التنمية الجرارة ستستمر في إكتساح القرى والبلدات تلك هي الحقيقة المثلى التي نؤكدها في هذه الأيام المباركات.