مسقط - الشبيبة
ضمن برنامج موسمها الثقافي نظمت كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس محاضرة بعنوان "تطور نظام الحكم في عمان" هدفت إلى بيان أهم ملامح التطور في الأطوار المختلفة التي مرت بها عمان عبر تاريخها الممتد، وقدمها الدكتور محمد بن خلفان اليحيائي، كاتب وإعلامي وباحث مهتم بالأدب والدراسات التاريخية والسياسية.
بدأ الدكتور محمد اليحيائي محمد حديثه بمقدمة عن حكم القبيلة قديما في عمان حيث قال "في 1650م فترة قيام الإمامة الإباضية الأولى، عرفت عمان شكلا من أشكال الدولة، لكنه غير محدد السمات، وليس له خصوصية مرتبطة بالمكان فهناك العديد من الإشارات إلى ذلك الشكل من أشكال الدولة والتنظيم السياسي القديمين كشفت عنه الدراسات والمسوحات، أقدمها التي تعود إلى الألف الرابعة قبل الميلاد وذلك من خلال الأدوات المستخدمة، وأشكال المساكن والأسوار والمقابر، وكذلك من خلال ما عرف من علاقات تجارية بين التجمعات البشرية التي استوطنت عمان والتجمعات المشابهة لها كالسومريين والأكاديين. وبعض تلك الإشارات ذهبت إلى وجود علاقات بين عمان والدولة الأشورية في القرن 640 قبل الميلاد. وأن ملك عمان قام برحلة إلى نينوى، وهو ما يدفعنا إلى الاستنتاج لوجود شكل من أشكال العلاقة بين كيانين سياسيين. غير أن هذه الاشارات على الرغم من أهميتها إلا أنها تبقى ضعيفة ولا يكفي الباحث لأن يستند عليها ولا تمكنه من بناء فرضية صلبة في الحكم على وجود شكل مستقر ذات ملامح محددة في حقبة الألف الثاني قبل الميلاد."
وعرج القول أن "في الألف الثاني قبل الميلاد شهد ميلاد حكم السلالة العربية الذي سيستمر حتى يومنا هذا، وعلينا كباحثين أن نأخذ بما هو مجمع ومتفق عليه في المصادر. والمجمع عليه في هذا المقام أن هجرة قبائل الأزد إلى عمان إثر انهيار سد مأرب في اليمن حدثت في العام 132 م بالتالي إن سلالة حكم العربية في عمان قامت فعليا في منتصف القرن الثاني الميلادي."
وعن الحكم ما قبل الاسلام قال الدكتور اليحيائي "حكمت عمان قبل الاسلام أسرتان، هما أسرة آل مالك بن فهم وأسرة آل الجلندي بن أبي معولة بن شمس، والإمامة الأولى كانت امتدادا لهذه الأسرة أي أنها من أصول عربية وهي الأزد". حيث وضح أن المهم في هذا السياق هو مفهوم رسوخ حكم السلالة، وهو أن أول إمام منتخب في تاريخ عمان بعد الإسلام هو الإمام جلندى بن مسعود وهو ينتمي إلى أسرة يعود تاريخ حكمها إلى حقبة ما قبل الإسلام. أي أن مبدأ الحفاظ على سلالة أو قبيلة أو أسرة للحكم هو مبدأ قديم وراسخ في عمان. وعلى ما يبدو أن الحركة الإباضية ومحاولة الحرمة المبكرة في محاولة تأسيس الطريق الثالث في الحكم وهو طريق الشورى والاختيار المفتوح اصطدم بذلك المبدأ الراسخ، وهذا الاصطدام هو ما يفسر أن نظام الحكم في عمان مختلف عن سواه في نظام الحكم الوراثي المماثلة. حيث إن هذا النظام يجمع "إمامة التوريث" من جهة " وعدم الاعتراف بالتوريث" من جهة ثانية.
كما ذكر الدكتور محمد عددا من خطوات الانتقال من إمامة التوريث الى السلطنة الوراثية وهي: أولا: مؤسس حكم الدولة البوسعيدية الإمام أحمد لم يأت إلى الحكم باختيار العلماء وزعماء القبائل كما حصل مع ناصر بن مرشد، بل صعد للمصعد السياسي بوصفه زعيما وطنيا حرر عمان من الاحتلال الفارسي وفرض وجوده كقائد جدير بالحكم. ثانيًا: صورة الإمام أحمد كما نقلت كان يتحرك في موكب أشبه بموكب الملوك محاطا بالحرس والبنادق والاعلام، وقد ذكر أنه منح أبناءه لقب سيد وهو ما يميز العائلة المالكة عن بقية الشعب. ثالثًا: ميل الإمام أحمد إلى تعيين الولاة، ومسؤولي دولته، من الدائرة القريبة منه وجعلهم من الأسرة البوسعيدية. رابعًا: انتقال مقر إدارة الدولة والحكم من الرستاق إلى مسقط (1785م)، والانفتاح على التجارة البحرية والطبقات التجارية المسيطرة لاسيما من الجالية الهندية. وهذا ما وسع من حالة التباعد بين الساحل والداخل، وقد أضعف الوحدة السياسية بين الساحل والداخل وتحول نظام الحكم من الأرض إلى البحر. خامسًا: الصراع المبكر على السلطة بين أبناء الأسرة، وبين الأب وأبناءه لاسيما سيف وسلطان، وقد كشف هذا الصراع أن الحكم بات حقا مغلقا يتنازع عليه أبناء السلطة وأن قوة العلماء لم تعد لها دور واضح. سادسًا: الانفتاح على القوى الخارجية (بريطانيا)، وإقامة علاقات تعاهدية معها، توقيع أول معاهدة (1798م) في عهد السيد سلطان بعد أحمد وتطور العلاقة التي كانت لبريطانيا فيها الكلمة الأعلى وهذا ما أضعف نظام الحكم وجعله تحت الهيمنة شبه المباشرة للبريطانيين.
بعدها تطرق لذكر الأسباب التي أسهمت في تطور نظام الحكم منذ قيام الدولة اليعربية وهي: حرص الإمامين اليعربيين الأول والثاني على إقامة حكم قوي بمآثر وطنية كبرى مكن الأسرة اليعربية من بقاء الحكم بين أبنائها. واختلال التوازن بين مؤسسة التشريع التقليدية متمثلة في العلماء من أهل الحل والعقد ومؤسسة الحكم ممثلة في الإمام والطبقة الحاكمة، دفع إلى هذا التحول، وهذا قد يحتاج إلى بحث مستفيض، وإعادة النظر في هذا التوازن. كذلك خروج القبيلة من دائرة التحالفات الاجتماعية السياسية إلى دائرة الصراع السياسي. بالإضافة إلى التجارة البحرية والانفتاح على الخارج (مشروع التوسع الامبراطوري التجاري).
وفي ختام المحاضرة وضّح الدكتور محمد أن السلطنة الوراثية وقبلها إمامة التوريث، رسختا مبدأ توريث الحكم على مدى عقود طويلة رغم ذلك، ومن وجهة نظره، لم يتمكن نظام الحكم من إيجاد آلية ثابتة وواضحة لهذا التوريث، وقد بقي هذا النظام دون نص دستوري تشريعي يعرفه وبوصفه باعتباره نظام حكم وراثي إلا بعد مرور 372سنة، وتحديدا مع صدور النظام الأساسي للدولة عام 1996م المادة الخامسة من الباب الأول، وبقي طول هذه الفترة دون مسار ثابت وعرضة للانعطافات.
وفي الختام طرح الدكتور تساؤلًا مفتوحًا بقوله "كيف ستبدو صورة المستقبل؟ هل عبر مأسفة مسار توريث وتشريعه كإيجاد مؤسسة لولاية العهد أسوة بباقي أنظمة الحكم الوراثية المماثلة، أم عبر تطوير مبدأ حكم الشورى وإيجاد صيغة جديدة تناسب تحولات وتحديات هذا العصر لمفهوم أهل الحل والعقد والعبور إلى مرحلة جديدة قوامها الشراكة والتعاقد ؟"
يذكر أن الموسم الثقافي لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، في نسخته الأولى، انطلق في الخامس من أكتوبر الحالي، ويستمر حتى نهاية ديسمبر القادم.