مسقط - الشبيبة
بقلم: محمد الرواس
عند زيارتك للمتحف الوطني العُماني بمسقط ستجد الشواهد على مدى رسوخ وعمق النشاط التجاري التاريخي الذي كان يربط عُمان والصين،»فطريق الحرير» القديم (المسلك البحري) يوثق هذه العلاقة، وما نتحدث عنه اليوم بالمقالة هو امتداد حضاري تجاري له جذور وأسس.
ما هو مشروع الحزام والطريق ؟ وما علاقته بطريق الحرير القديم ؟ لقد كانت المسالك والطرق البرية والبحرية قديماً تختط لنفسها مسالك وطرق عابرة للدول والمحيطات، ولقد كانت التجارة التي تأتي من الصين الي جنوب ووسط اسيا يطلق عليه طريق الحرير، وأول من اعطى هذا المسمى ( طريق الحرير) الجغرافي الالماني « فرديناند فون « وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي .
«الصين تعيد فتح مسارات وطرق جديدة على نهج طريق الحرير» هذا ما يمكن وضعه كعنوان كبير يعبر عن معنى كلمة الحزام والطريق ، وذلك من اجل ان تستعيد مجداً تجارياً تمتلك من خلاله المكانة الاقتصادية الأولى في العالم وشبكة الحزام والطريق لها أكثر من طريق ومسلك أهمهما المسلك الذي يمتد من الصين ويعبر بلدان اسيا الوسطى باتجاه قارة اوربا، والآخر الطرق البحرية، ولقد قامت الصين ببعث واحياء هذا المشروع التجاري العظيم منذ العام 2013م، ولقد هدفت من ذلك الوصول الى المرتبة الأولى في التجارة العالمية، فرصدت لهذا المشروع مبدئياً 900 بليون دولار اميركي، ضخت فيه ما يقارب 150 بليون منها مشروع القطار الذي يربط الصين واسيا الوسطى و اوربا، وكانت هناك العديد من الدول التي وافقت على المشاركة بمشروع ومبادرة «الحزام والطريق»سواء عبر افساح الطريق لسكة الحديد الصينية أو أنشاء موانئ أو مشاريع طرق برية أو بنية تحتية، أو استثمارات بمناطقها الاقتصادية منها استثمار الصين لمشروع المدينة الصناعية الصينية بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم .
واليوم يأتي مشروع الحزام والطريق ليجدد طرق ومسالك البر والبحر القديمة ، عبر مشروع مبادرة عالمية وهو الطريق القديم الذي كان يسلكه التجار من الشرق للغرب ومن الغرب الى الشرق، وكون عُمان شريك اقتصادي وتجاري قديم للصين جاءت الاستثمارات الصينية للسلطنة لتجدد العلاقات التاريخية بينهما وتضع لها شراكات استراتيجية ذات جذور فصنف موقع عُمان الجغرافي ضمن مشروع مبادرة «الحزام والطريق» المسلك البحري.
إرث اقتصادي عالمي يتجدد اليوم بالسلطنة، فالموانئ العُمانية ( صلالة -الدقم - صحار ) والمنطقة الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة بالسلطنة جاهزة للاستثمار في مثل هذا المشروع كشركاء استراتيجيون، والاستثمارات الصينية بالسلطنة تتضاعف عاماً بعد عام وارقامها في ازدياد في ظل التعاون العُماني - الصيني، السفيرة الصينية بالسلطنة (لي لينج بينج) في العام 2019م أكدت قائلة « ان عُمان مؤيد نشط لمبادرة الحزام والطريق» ولقد تم توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين في هذا الشأن ونفذ بموجبه تعاون استثماري، ولقد بلغت اجمالي الاستثمارات للشركات الصينية في السلطنة اثنان ونصف البليون دولار اميركي بالمرحلة الأولى، وهذا ما اكدت عليه سعادة السفيرة الصينية بمسقط بتاريخ 9 نوفمبر 2019م.
في مقالة سابقة كتبتها بجريدة الشبيبة بعنوان «الصين الشَرِيك التِجاريّ التاريخيّ» وكنت قد وضعت عنواناً قبل هذا العنوان هو «الاتجاه شرقاً» قاصداً من خلاله أن نوجه استثماراتنا العُمانية نحو الشرق الآسيوي اقتداء بأجدادنا التجار ومما ذكرته بالمقالة ( كان التجار العُمانيون يحبذون أن يتجهون شرقاً بسفنهم طلباً للتجارة المربحة، وكان هذا نهجهم عبر التاريخ، فعُمان بلد يقع في منتصف طريق التجارة العالمية، ويربط الصحراء خلفه بالبحر وبالدول والموانئ والبلدان شرقاً وغرباً، ولقد كان الاتّجاه شرقاً بهدف التجارة، وطلباً للتواصل الحضاري سمة تجار أهل عُمان الذين خبِروا البلدان وثرواتها وتجارتها، فاكتشفوا أن التجارة مع الشرق الاقصى دائماً ما تكون مربحة، وهذا إن دل على شي فإنما يدل على حصافتهم وأهمية الشق الآسيوي في العالم بالنسبة لهم، لأن تجارة الشرق غالباً ما تدر عليهم الكثير من البضائع الوفيرة التي يمكن تسويقها الي كل مكان بالعالم (خاصة بأفريقيا) .
ختاماً أحب ان استعيد خاتمة مقالتي « الصين الشَرِيك التِجاريّ التاريخيّ « و «الاتجاه شرقاً» وهو ماكنت قد هدفت من خلالهما ان نوجه بوصلة الاستثمار الى هذه الناحية الشرقية من العالم (وعندما تكون التجارة في أفضل احوالها تأتي السفن الصينية الي حوض المحيط الهندي وبحر العرب، وكانـــــت عُمان محطة تجار الصين الرئيسية، وصحار بالتحديد مدينتهم المفضلة لتخزين البضائع فاطلقوا عليها «دهليز الصين» وبوابة الصين كما اطلقوا عليها العديد من الاسماء الأخرى.