بحث وكتابة: عفراء بنت جمعة الهاشمية
تقع قلعة الميراني في آخر السور الغربي بمدينة مسقط مطلة على بحر عمان، بينما تقع قلعة الجلالي على صخور مطلة على بحر عمان شمال شرق مسقط. وقد تميزت القلعتين بمناعة قوية وذلك لصعوبة الوصول إليها، حيث لا يمكن الوصول للقلعة من الواجهة الصخرية إلا عن طريق جسر صغير وسلم محفور في الصخور ينتهي عند أحد المعاقل، وتفيد أغلب المصادر التاريخية بالتأكيد على رواية أن البرتغاليون قاموا ببناء هاتين القلعتين أثناء فترة احتلالهم لمدينة مسقط وسواحل عمان، حيث بُنيت قلعة الميراني عام 1588، بينما بنيت قلعة الجلالي في عام 1589. ولقد قيل أن القلعتين بنيتا لتحل محل مبنى قديم يعتقد أنه كان مرصدا على شكل أبراج قد أنشأه أهل مسقط.
وفي عام 1650م، استطاع الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي، خليفة الإمام ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة، بالنجاح في استعادة قلعتي الجلالي والميراني من خلال محاصرتهما لفترة زمنية، وعند خروج البرتغاليون من القلعتين وضعف قوتهم العسكرية، لجأوا إلى قلعة بمطرح، وقد تمكن الإمام من طردهم من القلعة وبذلك قام بتطهير السواحل العمانية من الاحتلال البرتغالي.
إن تاريخ القلعتين ربما لا يكتنفه الغموض، بيد أن الشبهات تكمن حول أصل تسمية القلعتين بالجلالي والميراني، حيث لم تشر أغلب المصادر إلى سبب تسمية القلعتين بهذا الإسم، بالرغم من وجود روايات دقيقة ومؤكدة أن للقلعتين أسامي مختلفة قبل التسمية الحالية والمعروفة لهما. فقلعة الميراني قد حملت العديد من الأسماء عند بنائها، فقد سميت بالكوت الغربي، وكان لها تسمية أخرى وهي قلعة كابيتان، بينما قلعة الجلالي كانت تسمى الكوت الشرقي، أو قلعة سانت لوران، ومن الواضح أن هذه المسميات ذات أصل برتغالي. ويمكن الاستدلال من هذه الروايات أن تسمية القلعتين بالجلالي والميراني قد تم في فترة لاحقة بعد بنائهما.
لقد ظهرت بعض الروايات المختلفة حول سبب تسمية القلعتين بالجلالي والميراني، فقد أرجع البعض إلى أن تسمية قلعة الميراني نسبة إلى قائد فارسي يدعى ميران قد احتل مدينة مسقط، وهذه الرواية ضعيفة لعدم وجود مصدر أورد أي معلومة مؤكدة بخصوصها، ومع ذلك فقد نتفق أن أصل المسمى الميراني يكون من تلك الأقاليم الآسيوية، فلفظ الجلالي والميراني لهما وجود تاريخي في هذه الأقاليم.
لقد وُجدت رواية أخرى أشارت إلى أن هذه التسمية قد نُسبت إلى الأخوين جلال وميران الهوتي البلوشي، وهي في وجهة نظر الكاتب المتواضعة الفرضية الأقرب للحقيقة، وذلك لأسباب عديدة يمكن ذكرها على النحو الآتي:
1) تم ذكر لفظي الجلالي والميران على أنهما عشيرتين من عشائر الأكراد اللاتي استقرت في إقليم وان في فترة زمنية سابقة، حيث يقع إقليم وان في شرق تركيا على الحدود التركية لإيرانية الحالية، وقد أورد الكاتب أن هاتين العشيرتين كانتا شبه رحالة، أي أنها لم تكن مستقرة في إقليم وان بشكل دائم، مما يعني وجود فرضية ارتحال هاتين العشيرتين أو أحدهما على الأقل على مناطق قريبة من إقليم بلوشستان الحالي، ولذلك، وعلى هذا الأساس، يمكن الربط بين المسميات بسبب موقع الأقاليم المتقاربة جغرافياً. كما ذكر الكاتب لفظ المير (الأمير بالتركية) والذي يطلق على زعيم العشيرة.
2) إن لفظ الجلالي والميراني لهما وجود تاريخي في إقليم بلوشستان، فقد تحدثت عدة مصادر لباحثين في شؤون هذا الإقليم عن شخصية جلال الأمير كمؤسس للبلوش في بلوشستان، وبالرغم من أن هناك روايات متعددة وبعضها متعارضة حول حقيقة وجود هذه الشخصية باعتبارها المؤسس، إلا أن ذلك لا يعنينا كثيرا، فمجرد وجود اسم جلال كشخصية من إقليم بلوشستان يعني أن هناك ارتباط وثيق في المسميات ولو كان بشكل غير مباشر. بالإضافة إلى هذا، تم نسبة الأخوين جلال وميران إلى قبيلة الهوتي، ومن المعلوم أن قبيلة الهوتي هي أحد القبائل البلوشية، ولها وجود في كل من عمان وبلوشستان على حد السواء.
3) هناك العديد من المصادر التي أشارت إلى قصة الأخوين جلال وميران الهوتي، فقد ذكر الكاتب أحمد بن يعقوب المازمي هذه القصة، مدعيا بين سطورها أن الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي قد كافأ الأخوين على جهودهم ضد البرتغاليون بتسمية القلعتين نسبةً لهما. لقد استند الكاتب المازمي في ذكره لهذه القصة على ما أورده المؤرخ الإنجليزي مايلز في كتابه، ومن يرجع إلى الكتاب الإنجليزي، يجد أن مايلز قد ذكر أن تسمية قلعة الميراني أتت نسبة إلى قائد بلوشي، ولم يذكر اسمه. ومع ذلك، نجد أن هذا الاعتراف بأصل التسمية لقائد بلوشي هو كافٍ لإثبات احتمالية صحة هذه الفرضية.
إضافة إلى ذلك، فقد ذكر المازمي أن ميران الهوتي قد: “ بارز الفارس البرتغالي يدعى كابرتيه بالسلاح الأبيض، وكان كابرتيه معروفا بالشجاعة والإجرام والبطش بالمسلمين، وقد طعنه ميران بالرمح ...”. إن هذه الرواية تتطابق بشكل كبير مع رواية أخرى ذكرها مؤرخ إنجليزي آخر، فقد أورد جورج بيرسي بادجر في كتابه النص الآتي: “ وقام محارب شهير يدعى كابريتا بمحاولة يائسة لقلب المعركة لصالحه وذلك بأن اندفع إلى المدينة مع مجموعة من أتباعه إلا أنه هُزم من قبل عدد من الناس الذين قتلوه بالحراب. وهكذا كما يروي أحد المؤرخين الورعين: خلص الله المسلمين منه ومن جماعته. “
4) العلاقات السياسية بين عمان وبلوشستان، حيث أن المتتبع في التاريخ العماني يرى وجود العلاقات المتبادلة بين إقليم بلوشستان وعمان سواء في الدولة اليعربية أو الدولة البوسعيدية، وبالرغم من وجود أدلة دامغة ومتعددة تؤكد على العلاقات الوثيقة التي قامت بين عمان وبلوشستان منذ القدم، إلا أنه لم يتم تداول الحديث عن العلاقات السياسية إلا في عهد الدولة اليعربية ومن ثم الدولة البوسعيدية، فإقليم بلوشستان قد أصبح مركز ثقل سياسي وتجاري لدولة اليعاربة بالنسبة للشق الآسيوي بعد طرد الاحتلال البرتغالي من بحر عمان والمحيط الهندي. وهذا يعني أن للبلوش دور كبير في طرد البرتغاليين والانخراط في المؤسسة العسكرية العمانية لحماية المدن والموانئ.
وتدعيما لذلك، في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي، استنجد أهل مدينة ممباسا في شرق أفريقيا بالعمانيين لتخليصهم من الاحتلال البرتغالي، فقام الإمام بإرسال جيش يترأسه الجمادار شاه داد البلوشي الذي كان يلقب بشوت هان، وقد استطاع هذا القائد بالنجاح في تحرير المدينة، فأكرمه الإمام سيف بأن تم تعيينه والياً عليها. وبالرغم من هذه العلاقات الوثيقة بين الطرفين، إلا أنه يُلاحظ قلة الإشارة في المصادر التاريخية إلى إقليم بلوشستان، والاكتفاء بذكر سواحل الهند الغربية عند الحديث عن طرد البرتغاليين.
وفي الختام، وُجب التنويه على النقطة الآتية: إن الوثوق فيما تقدمه هذه الروايات من المصادر التاريخية يكون عن طريق مقارنتها ببعض وبمصادر أخرى إن وجدت فيها معلومات تتعلق بهذا الموضوع، وذلك لأن المصادر التي سلطت الضوء حول تاريخ اليعاربة ليست وفيرة، والسبب في ذلك ليس عائدا إلى افتقار الخزانة الثقافية العمانية منها، بل بفعل ضياعها على مدى السنين بسبب الصراعات الأهلية والغزو الخارجي لعمان.
على أية حال، إن بعض من هذه المصادر كانت متزامنة مع وقت وقوع الأحداث، والبعض الآخر تم تدوينه في وقت لاحق ليس ببعيد عن تاريخها، وهذه المصادر تحتوي على روايات تاريخية إما تم اقتباسها من كتب الأوائل وسيرهم ورسائلهم أو تم تداولها شفويا وحفظها جيلا بعد جيل حتى جرى تدوينها. ومن الملاحظ أن المؤرخين، معظهم على الأقل، لا يشيرون إلى مصادر الروايات إلا ما ندر منها، كما أن المصادر التاريخية العمانية اقتصرت على ذكر ومعالجة مواضيع الأحداث العمانية، فنجد من النادر التطرق إلى مصادر وروايات ليست عمانية، أو لم يقم بتدوينها مؤرخون عمانيون.
المصادر:
مقدمة كتاب تاريخ أئمة وسادة عمان، جورج بيرسي بادجر، ترجمة الأستاذ الدكتور محمد علي الداود.
الموجز في تاريخ عمان السياسي، أ.د فاروق عمر فوزي.
العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين عمان وساحل بلوشستان، فاطمة بنت بن محمد البلوشي، رسالة ماجستير بجامعة السلطان قابوس.
بلوجستان ديار العرب، معن الحكامي.
البلوش وبلادهم في دليل الخليج 1515-1908، أحمد بن يعقوب المازمي.
التمرد الأرمني في “وان”، جاستن ماكارثي، أسعد ارسلان، جمال الدين تاكشيران، عمر توران.
THE COUNTRIES AND TRIBES OF THE PERSIAN GULF, COLONEL S. B. MILES.
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%D8%A7%D9%86_(%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8%D8%A9)