علي بن راشد المطاعني
استغربت من المشاهد الميدانية التي تلت المراسيم السلطانية السامية بدمج بعض الوزارات وما شهدته بعض المباني من عمليات إخلاء بشكل هستيري، هي أشبه بانتقال الأفراد من بيت إلى آخر، كأن هذه المقار سوف تُهدم أو سوف تُباع إلى شخص آخر، وكأنها لن تتحوَّل إلى جهات حكومية أخرى تحتاج إلى الأثاث المكتبي من كراسي وطاولات وغيرها ليستمر العمل الحكومي في هذه الجهة أو تلك كالمعتاد، بل إنّ بعض الجهات التي انبثقت كوزارة جديدة كأنها لا تصدق أنها في حكومة واحدة يشد بعضها أزر بعض، فانقضت على المباني تبحث عن الأثاث أينما كان لتنتقي منه ما تراه ثمينا وقيّما، حتى اللوحات الجدارية والصورة الفوتوغرافية لم تسلم هي الأخرى من النزع و»الشلع» للأسف.
مشاهد مؤسفة بالطبع وتعكس النزعة والنظرة الفردية في العمل الحكومي والذاتية وروح (الأنا) في إدارة العمل في الدولة الذي لن ينصلح حاله ما لم يصلح المسؤولون والأفراد ما بأنفسهم إزاء تعاطيهم مع الشأن العام، وما لم تتبدّل نظرتهم للأصول الحكومية وصولا لحقيقة أنها ليست ملكا خاصا يتم التصرّف فيها بناءً على الأهواء والأمزجة الذاتية والفردية.
الحقيقة التي لم يفطن إليها أولئك هي أن الحكومة وعندما دمجت وزارات مع بعضها وانتقلت تبعا لذلك بعض المديريات والدوائر لوزارات أخرى، فإنّ الهدف الأسمى والأعلى لذلك الإجراء هو تكامل الخدمات والارتقاء بمستواها، ولم يشر الدمج إلى حتمية نقل الأثاث وتجريد المباني الحكومية، كأن تلك المقار لن يفد إليها موظفون ليباشروا أعمالهم كالمعتاد تحت المسمّيات الجديدة التي حددتها المراسيم السلطانية.
ذلك يعني أنّ على الوزارات والجهات الجديدة أن تقوم بشراء أثاث وعتاد مكتبي جديد ربما بمئات الآلاف من الريالات، في حين أن أثاث هذه الجهة أو تلك ذهب معظمه للمخازن وبعضه لحاويات القمامة نتيجة للإخلاء العشوائي الذي صوّرناه كما هو.
مما يؤسف له أنّ بعض الجهات بدلا من أن تقوم بتجميع ملفات معاملات المواطنين والمتعاملين معها بنحو آمن، ومن ثم نقلها بكل الحرص والانتباه باعتبارها أهم الموجودات على الإطلاق بل هي لا تقدَّر بثمن بما تحويه من مصالح أفراد وجهات اعتبارية وستتم العودة إليها عاجلا أم آجلا، وستحدث كارثة حقيقية إن هي ضاعت أو أصابها التلف، بل بعضها يوثق لعلاقات ومعاملات السلطنة الإقليمية والدولية، كل تلك المعاني الخطرة تم تناسيها وتم التركيز على الأثاث كأنه هبة جادت به السماء بغتة، وليس مسؤولية وأمانة يجب حفظها في أماكنها سليمة من كل أذى لتأتي الجهات الأخرى لتستخدمها في إطار الحكومة الواحدة.
لذلك نرى أن ندعو الحكومة أو اللجنة المشكّلة لإعادة توزيع المباني الحكومية إلى إرجاع الأثاث لكي تفصل اللجنة وبنحو موضوعي في مسألة لمَن تؤول تلك الموجودات الحكومية، فهي بالقطع ليست ورثا لكي يُقسَّم ولا غنائم لكي يحوز عليها الفاتحون الجُدد، بل هي أملاك دولة يجب أن تكون في أماكنها، ومن ثم ترسيخ هذه الثقافة لدى المسؤولين والموظفين كافة بأن ممتلكات الدولة لها لا تتحول يتغير المسؤولين ودمج وزارات أو إلغاؤها.
ونُشيد هنا عاليا ببعض المسؤولين الذين خرجوا من جهاتهم كما دخلوها فلم يأخذوا منها شيئا، هؤلاء بالفعل هم القدوة الحسنة.
نتطلع أن تحقق اللجنة المختصة في مثل هذه الممارسات التي لا تليق بالأجهزة الحكومية وأن تعمد لمعالجة ما ترتب عليه هذا الوضع الغريب وبما يحفظ انسياب وتيرة العمل الحكومي بأفضل مما كان عليه.