خالد البحيري
مستنداً إلى إرث عظيم وتاريخ مشرف لأسلافه الأوائل ونهضة حقيقة ومستدامة وضع لها الأسس ورفع قواعدها المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، بدأ صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- المرحلة الثانية من عملية الإقلاع بالدولة العمانية نحو مرافئ التقدم والإزدهار، عازماً على رفع البنيان واستكمال النهضة المباركة في شتى الميادين، متسلحا في ذلك بالعلم والمعرفة والدراية والإحاطة التامة بمتطلبات المرحلة الجديدة، ومواطن القوة في التجربة العمانية.
ولم يحتاج الرجل الذي تدرج منذ ريعان الشباب في العمل الإداري والتنفيذي وتقلد من المناصب أرفعها وأدقها، إلى الكثير من الوقت لكي يبدأ عملية الإطلاق، فهو الخبير المُكلف سابقا بإعداد رؤية عمان 2040 وما تحويه من ملفات وعاها وحفظها عن ظهر قلب، ويعرف فيها كل شاردة وواردة، فجاءت رؤيته السامية منذ الخطاب الأول لتؤكد أن عمان في طريقها إلى تبوأ مكانة مرموقة بين الدول اقتصاديا وسياسيا بما لها من ثقل حضاري وتاريخي وتفاعل كبير مع الملفات الإقليمية والدولية، واتضح ذلك جليا في نطقه السامي: « وإننا ماضون بعون الله على طريق البناء والتنمية، نواصل مسيرة النهضة المباركة، كما أراد لها السلطان الراحل رحمه الله، مستشعرين حجم الأمانة وعظمتها، مؤكدين على أن تظل عمان الغاية الأسمى في كل ما نقدم عليه، وكل ما نسعى لتحقيقه، داعين كافة أبناء الوطن، دون استثناء، إلى صون مكتسبات النهضة المباركة، والمشاركة الفاعلة في إكمال المسيرة الظافرة».
وقد استبشر العمانيون ومن ورائهم المجتمع العربي والدولي بهذه القيادة التي تجمع بين الإعتزاز الكامل بالمنجز الحضاري العماني، والإيمان بأن الأخذ بأدوات التطور والمدنية أمر لا مفر منه للبناء على هذا المنجز وإضافة لبنة جديدة إليه يذكرها التاريخ بكل حفاوة وامتنان، وشمروا عن سواعد الجد للمشاركة في هذا الواجب ولاء وعرفانا لسطانهم وبلدهم.
ولأن الأمم إنما تبننى بسواعد الشباب وحنكة الشيوخ وخبرتهم جاءت مؤخرا المراسيم السامية الرامية إلى تحديث وإعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة مرتكنة على عدد لا بأس به من الشباب ما بين وزير أو وكيل وزارة أو مسؤول رفيع المستوى، مدعومين بعدد آخر من أصحاب الخبرات الكبيرة والعطاء الوفير، في عملية تم إدارتها بمنتهى الحنكة سوف تكون محصلتها في النهاية –بتوفيق من الله- انتقال الخبرة وانسيابيتها بين الأجيال دون حدوث فجوات أو فراغات.
وعلى عكس ما يحدث كثيرا في دولنا العربية في التعديلات أو التغييرات الوزارية حيث لا نعرف لماذا جاء هذا الوزير أو ذهب هذا المسؤول، كان العمانيون يدركون تماما السيرة الذاتية لكل من قدموا للمشاركة في البناء والتنمية، فالكفاءة والقدرة والعلم في واجهة أسباب اختيار هؤلاء الذين حظوا بالتكليف السامي، فضلا عن الثقة السامية في أدائهم، وسجلاتهم المشرفة خلال فترات عملهم السابقة.
الأمثلة كثيرة .. وكمراقب أو متابع للأحداث في الشقيقة عُمان نجد مثلا وزير الإعلام معالي الدكتور عبد الله الحراصي الذي أبلى بلاء حسنا في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لسنوات طويلة وأسهم بفكر واع ورؤية مستقبلية متفردة في تحديث الهيئة واستديوهاتها والمحتوى المقدم بها فضلا عن نجاح خطة التعمين بالهيئة واعتمادها على كوادر وطنية مؤهلة ومدربة على أعلى مستوى، وهو من قبل هذا وذاك قد أسهم في تعزيز المنجز الحضاري العماني عن طريق الموسوعة العمانية التي تمثل دليلا مرجعيا لكل من أراد أن يتعرف أكثر إلى سلطنة عمان، واسهاماته الفاعلة خلال فترة عمله كأستاذ في جامعة السلطان قابوس.
مثال آخر هو سعادة الدكتور محمد بن سعيد المعمري وكيل وزارة الأوقاف، فالشاب الذي أسهم في مدر جسور المحبة والتسامح والسلام وعزز من القيم الإنسانية المشتركة بين الأمم والشعوب من خلال تأسيسه وإشرافه على معرض «رسالة الإسلام من عمان» وتنقل بين كبريات العواصم والهيئات والمراكز الثقافية العالمية معرفا بعُمان وحضارتها وثقافتها ونهجها الرامي إلى تعظيم المؤتلف الإنساني، وقبل وأثناء ذلك كان الرجل يعلم على تطوير أدواته العلمية والمعرفية حتى حصل على درجة العالمية الدكتوراة من ألمانيا.
النماذج والأمثلة كثيرة ومتعددة ويضيق المقام عن حصرها لكنها في المحصلة جميع من حظوا بالثقة السامية هي نماذج مضيئة كل في مجاله له من الاسهامات والإنجازات والمؤهلات ما جعله أهلا للاختيار السامي في هذه المرحلة الدقيقة من عُمر الدولة العمانية الفتية.
ختاما: فإني على على ثقة تامة بأن عُمان في ظل قيادة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق –أبقاه الله- تسطر تاريخا جديدا من التنمية المستدامة، سوف يجني العمانيون ثمارها عما قريب، ويجني العالم من حولهم أيضا الخير والبركة فهي من وجهة نظري تجربة فريدة يتعدى مداها وتتخطى آثارها حدود عمان المتسامحة، القوية والقادرة أيضا.