علي المطاعني
في الوقت الذي يسود في المجتمع ارتياح واسع لإعادة هيكلة الحكومة والدمج الواسع للعديد من الوزارات والهيئات، وإحداث تغييرات واسعة في مؤسسات الدولة وإداراتها، فضلا عن تعيينات وزارية هي الأكبر منذ أربعة عقود خلت.
وكإضافة حيوية لهذا الرائع الذي حدث فإننا في حاجة ماسّة لتغيير الأنظمة التي تحكم العمل بالأجهزة الحكومية وأيضا تغيير الثقافة العملية والميدانية التي تسيّر الوحدات الحكومية، هي إضافة تكتمل وتتكامل عبرها منظومة العمل بنحو سلس وسليم وتسهم في إحداث نقلة نوعية في مسار العمل في البلاد تحقيقا لتطلعات رؤية عُمان 2020-2040.
ذلك يتطلب إعادة النظر في القوانين والأطر والنظم المفعّلة والمؤطرة للعمل الحكومي من ناحية عامة ومن كافة جوانبها لكي تتواكب مع التطوُّرات المستقبلية وتلبي التطلعات المشرئبة لضياء أكثر إبهارا، ولتنسجم بنحو فريد مع التطوُّرات المستقبلية وروح الهيكلة في إطارها الجديد لتحقيق التطلعات والآمال التي يهفو لها الجميع.
بلا شك أن التغييرات التي تمّت في الأجهزة الحكومية بإصدار 28 مرسوما سلطانيا ساميا، هي بالطبع وكما نعلم تهدف إلى ترشيق الأجهزة الحكومية، وضخ دماء شابة جديدة في شرايين العمل الحكومي، وإتاحة المجال واسعا للكفاءات العلمية لتتحفنا بما في جعبتها من رحيق العلم والمعرفة وهذا ما يحتاجه الوطن فعلا.
فبالعلم تُبنى الأوطان وتُشاد قلاع المجد في كل أرجائه، هذه وغيرها تطوُّرات إيجابية تسهم في تسريع خطوات العمل الوطني في البلاد، ومن الأهمية بمكان وكأمر طبيعي أن يتبعها تحديث وتطوير في القوانين والتشريعات بحيث تستوعب كل هذا الذي حدث ولكي يتكئ هذا الجديد المبهر على قواعد قانونية ثابتة وراسخة تشد من عضده وتفتح أمامه الطريق واسعا لتحقيق كل الأهداف النبيلة والمتوجهة لبناء الوطن بروح خلاقة تلبي متطلبات رؤية عُمان الجديدة.
فالتغييرات لن تؤتي أكلها ما لم ترتكز على أرضية قانونية صلبة وراسخة تمنح المسؤولين صلاحيات واسعة لإنجاز الأعمال بأقصر الطرق وبالسرعة القصوى مع توضيح نظرة القانون الثاقبة إزاء الحساب والثواب، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
فالتغييرات المُشاد بها بإجماع الشارع عندما تصطدم بقوانين جامدة ستتوقف عن المضي في طريقها لوجود عائق بعرض الطريق، فعلى سبيل المثال قانون الخدمة المدنية الذي تعمل به أجهزة الدولة نجده مقيدا للعمل، فمهما كانت قدرات الوزير أو المسؤول إبداعية فإنه لا يستطيع أن يخرج من إطارها الجامد وبالتالي فإن جهده سيذهب سدى دون ريب.
فإذا كانت الأطر التي نشرت تحدد أهدافا للجهات الحكومية يتعيّن تحقيقها، وتطلب إنجازات كل ثلاثة أشهر وكذلك إظهار التحديات التي تواجهها، إلا أن كل هذه الجوانب إذا لم تكن هناك منظومة إدارية جيدة تؤطرها فإن هذه الأماني الطيبات لن تتحقق مهما كانت فعالية الجهات وقدرات العاملين فيها خارقة، ثم أن لا أحد يرغب في تجاوز القوانين المنظمة وهذا بديهي، وعندما يجد بأن القوانين نفسها هي العقبة كأداء هنا فإن التوقف هو الخيار الأوحد.
الجانب الآخر للنهوض بالعمل في أجهزة الدولة بعد هذه التغييرات الواسعة هو تغيير ثقافة العمل وأخلاقيات الالتزام بالإنتاج والإنتاجية أو ما يسمّى في علم الإدارة بـ (الفاعلية) أي فاعلية الموظف أثناء الدوام الرسمي، فهو قد يكون فعلا في طاولته ولكن ما أنجزه من عمل قد يكون صفرا، هذا إضافة لضرورة ترسيخ ثقافة الحفاظ على الممتلكات العامة وحتمية الوصول بها لنقطة النظر إليها كممتلكات خاصة، كلها نقاط تحتاج إلى حملات إعلامية وتوعوية لترسيخها في الأذهان باعتبارها من ضرورات المرحلة الجديدة.
نأمل أن نحدث تغييرات واسعة النطاق في منظومة القوانين التي تحكم العمل في كل أجهزة الدولة، والعمل بالسرعة القصوى لتحديثها وتفعيلها من خلال مراجعات دقيقة لها وصولا بها إلى تلك الآفاق البعيدة، بحيث تغدو معينا ورافدا لروح التحديث الجديدة، وحتى يتسنى المضي قدما في تحقيق الأهداف المرجوة بدون معوقات أو منغصات تحد من طاقات الشباب الذين يقودون اليوم سفينة البلاد لشواطئ التقدم والسؤدد.