بقلم: علي المطاعني
في الوقت الذي نشجّع فيه بناء المساجد والجوامع كإحدى المبادرات المجتمعية الحميدة الهادفة إلى إعلاء كلمة الله وبناء بيوت له في الأرض، إلا أن الكثير من الناس ما برح ينتهج طرقا ومسالك غير طيبة ربما تلقي بظلال قاتمة على الأهداف النبيلة والخيّرة من فكرة بناء هذه الدور المقدّسة، وذلك في الشق الخاص بجمع الأموال من المتبرّعين والذين يبغونها ذخرا وزادا لهم في ذلك اليوم الرهيب يوم لا ظل فيه إلا ظله سبحانه وتعالى.
ربما تنحرف فكرة جمع الأموال لهذا الغرض العظيم إلى دخول هذه الأموال بطرق مباشرة أو غير مباشرة في جيوب أفراد كانوا وكلاء لبناء هذه الدور، وقد ينتهي العمل فعلا في بناء المسجد لكن الأموال ما انفكت تتدفق على الحسابات الموجودة في إعلانات التبرّع والتي قد تكون قديمة غير أن الناس لا يعلمون عمّا إذا كانت لا تزال في حاجة لمدد الصدقات أم انتهى العمل بها منذ وقت طويل مضى، الأمر الذي يتطلب الوقوف على مثل هذه الممارسات وضبطها بشكل يتحقق الهدف منها وبعد انقضاء الغرض تُغلق تلك الحسابات؛ فهذه الإرهاصات والشكوك تدور في المخيلة، وقد تذهب الأموال - في ظل عدم وجود آليات واضحة وحاسمة للتيقن والتأكد - لأغراض وأهداف منافية للقانون وللسلم الاجتماعي.
لذلك فإن الجهات الرسمية كوزارتي التنمية الاجتماعية والأوقاف والشؤون الدينية وهما الجهتان المناط بهما تنظيم هذا الحقل عمدتا لسن القواعد التنظيمية لمثل هذه التبرّعات، ونذكر بأنّ المرسوم السلطاني رقم: 14/2000 الصادر في 13 فبراير 2000 بإصدار قانون الجمعيات الأهلية تطرّق لآلية العمل التطوعي والخيري وجمع الأموال من العامة، واشترط الموافقة المُسبقة لوزير التنمية الاجتماعية، ورغم ذلك إلا أن البعض لا يزال وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يهيب بالناس التبرّع بدون الحصول على تلك الموافقة، وبذلك فإنّ مَن يقومون بذلك يجدون أنفسهم قد وقعوا تحت طائلة المساءلة القانونية بناءً لمنطوق المادة (299) من قانون الجزاء العُماني وفيها عقوبات بالسجن والغرامة، وهذه نقطة قد تكون مفاجئة لأصحاب النوايا الحسنة قبل السيئة وإذ هم يضطلعون بهذه المهمات الحميدة واللا حميدة في آن معا.
فعلى سبيل المثال هناك حسابات تم ترخيصها للتبرّع لبناء المساجد في بعض البنوك، إلا أن البعض يروّج للتبرّعات من خلال حساباتهم الشخصية عبر "بوسترات" في وسائل التواصل الاجتماعي مع عبارات روحانية عميقة الأغوار تنتزع آهات الإيمان من الصدور فيندفع الشخص للتبرّع وبسخاء أحيانا وبناءً لمستوى استيعابه لتلك العبارات الوجدانية الجزلة، هو بالطبع لا يعلم بأنه مخالف للقانون تماما كـ"البوستر" الذي أغراه وحضّه على التبرّع، وإذا ما ذهبت الأموال للحساب الشخصي هنا فإن كل الاحتمالات مفتوحة وقائمة وليس ثمة داع لتسميتها.
وعلى الرغم من أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية نظمت ذلك بفتح حسابات خاصة للتبرّع للمساجد تقيّم وتراجع هذه الحسابات كل عامين للتيقن والتأكد من سلامة صرفها، وهذه الحسابات تكون في العادة باسم اثنيْن من وكلاء المسجد، ومع هذا فإن الترويج بالطرق الخاصة لا يزال يمضي على قدم وساق، وكما أسلفنا بأن هناك حسابات لمساجد تم الانتهاء من بنائها ولكن الحسابات تتداول بالتبرّع لها.
ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية عادةً ترخص حسابا واحدا فقط، وقد يصعب على البعض التبرّع لبناء المساجد لكون حسابه ليس في ذلك البنك المعتمد من الوزارة، وبذلك يضطر البعض إلى إضافة حساباتهم الشخصية، وهذه نقطة يسهل تجازوها ببساطة إذ يمكن للوزارة إتاحة للوكلاء فتح حسابات للمسجد في كل البنوك العاملة بالبلاد، كما يمكنها عدم السماح بصرف أي مبالغ من الحسابات الشخصية المخصصة للمسجدإلا بعد إبراز موافقة الوزارة وتقديمها للبنك، وبذلك يمكن القضاء على أي شبهات خاصة بهذا الأمر الجلل، على الرغم أن التطبيقات الإلكترونية الحديثة تتيح التحويل من بنك لبنك آخر بسهولة ويُسر في حين تبقى رقابة الوزارة قائمة في الصرف النقدي النهائي.
نأمل من الناس أن يعوا أهمية التنظيم للأعمال الخيرية سيما تلك المرتبطة بأعز وأغلى البيوت، بيوت الله عز وجل، وبما أنها كذلك فلا بد من أن يكون التنظيم المرتبط بها في أعلى مستويات الدقة، وفي أعلى درجات الشفافية والوضوح والنزاهة.