مسقط - خالد عرابي
تزخر السلطنة بتنوع سياحي فريد من نوعه، منه في السياحة الثقافية والبيئية وسياحة المغامرات والمؤتمرات وغيرها، وعلى صعيد السياحة الثقافية والأثرية فإن ثراء المعالم من قلاع وحصون ومساجد ومتاحف وغيرها يجعل السلطنة يمكن أن توضع كواحدة من الوجهات العالمية في ذلك وقد أولت الوزاررات والمؤسسات المختلفة ومنها وزارتا "التراث والثقافة" و "السياحة" مؤخرا بعض المعالم الأثرية الكثير من العناية وعملت على تزويدها بالمرافق المختلفة لتصبح مزارات سياحية ليست محلية ولا إقليمية فحسب وإنما عالمية، كما أن هناك العديد من المعالم الأخرى التي تم تجهيزها وتطويرها على مدى السنوات الماضية فأصبحت وجهات ومحطات سياحية يشار إليه بالبنان -ولا يعتبر السائح زار السلطنة ما لم يزرها-، ومنها على سبيل المثال كهف الهوتة وقلعتي "نزوى" و "بهلاء" وحصن جبرين وغيرها الكثير.. والآن فإن القادم أكثر ومن ذلك موقع مدينة قلهات الأثرية التي نجحت جهود السلطنة ممثلة في وزارة التراث والثقافة في يوليو 2018 في إدراجها على قائمة التراث العالمي بـ "اليونسكو".
وقام وكيل وزارة التراث والثقافة لشؤون التراث سعادة المهندس إبراهيم بن سعيد بن خلف الخروصي يوم الخميس الماضي بزيارة تفقدية لموقع مدينة قلهات الأثرية للوقوف على أهم المعالم الأثرية بالموقع كضريح بيبي مريم والمسجد الجامع. وقد اطلع سعادته خلال هذه الزيارة التي رافقه فيها مدير دائرة مواقع التراث العالمي ومدير دائرة التراث والثقافة بمحافظة جنوب الشرقية على الأعمال التي تم إنجازها من أعمال التنقيب والترميم بالموقع والتي تجعلها على وشك أن تكون مزارا سياحيا عالميا فريدا. كما تم استعراض ومناقشة بعض المشاريع المستقبلية التي تسعى الوزارة لتنفيذها بالموقع تماشيا مع خطة تحويل الموقع إلى حديقة أثرية ومزار يستقطب الزوار خصوصا بعد إدراجها على قائمة التراث العالمي .
وجاء إدراج مدينة قلهات الأثرية على قائمة التراث العالمي باليونسكو في إطار الحرص الدائم للسلطنة في إبراز تراثها الحضاري والثقافي والإنساني والتعريف بالقيمة الاستثنائية المتمثلة في أصالته كتراث ثقافي عالمي، كما يأتي إدراج هذه المدينة التاريخية المهمة على قائمة التراث العالمي تأكيدا من المجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو على أهمية هذه المدينة العريقة التي حافظت على مستوى عال من الأصالة.
وتعتبر مدينة قلهات التي تقع بولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية إحدى العواصم القديمة لعمان وتوجد بها آثار مهمة وشواهد بعضها لا يزال باقيا إلى اليوم أهمها الجامع الكبير وضريح "بيبي مريم" وبعض الأبنية الأثرية والسور الخارجي.
وكانت وزارة التراث والثقافة قد اعتمدت خطة إدارة مدينة قلهات الأثرية التي تهدف الى حماية الموقع والحفاظ عليه واستدامته من خلال الاستثمار السياحي ونشر الوعي المجتمعي بأهمية المدينة الأثرية ومراقبة الموقع لضمان عدم التعدي عليه وتنفيذ القوانين والتشريعات المحلية والدولية المعتمدة لحماية مواقع التراث العالمي.
وجاء نجاح السلطنة في إدراج مدينة قلهات الأثرية ضمن قائمة اليونسكو بعد نجاحها على مدى ثلاثة عقود في إدراج أربعة مواقع أثرية على القائمة المذكورة وهي: قلعة بهلاء (1987)، موقع بات والخطم والعين (1988)، مواقع أرض اللبان (2000) ونظام الري بالأفلاج (2006) الذي يشمل خمسة أفلاج وهي دارس والخطمين والملكي والميسر والجيلة. وتسعى السلطنة على الدوام للمضي قدما في صون تراثها الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي من خلال تسجيله لدى اليونسكو والتعريف به.
وتقع مدينة قلهات التاريخية على مسطح جبلي وهي تأخذ شكل المثلث كما أنها ذات موقع استراتيجي محمي بتضاريس طبيعية ويحدها من الغرب الجبال الشاهقة ومن الجهة الشمالية الشرقية البحر كما يحدها من الجهة الشمالية الغربية الخور و" وادي حلم " .
وفي العام 2003 بدأت الأعمال الأثرية في الموقع فشملت المسوحات والحفريات الأثرية بعض أجزاء المدينة حيث تم المسح الأثري بالتصوير الجوي والرسم شاملا المقبرة الإسلامية الواقعة إلى الجنوب من ضريح بيبي مريم. وقد توالت أعمال تنظيف وإظهار أسوار المدينة التاريخية وكذلك إظهار الطرق والممرات التي تخترق البيوت والمرافق الأخرى التي تحويها المدينة من قبل وزارة التراث والثقافة في 2008 و 2009 .. كما تم إبراز الجدار المواجه للشارع العام والأبراج التي تتخلل بعض اجزائه حيث من الملاحظ أن هذه الجدران بنيت باستخدام الحجارة غير المشذبة وبدون استخدام مادة لاحمة.
ورافقت أعمال المسوحات تنقيبات أثرية عند السور الشمالي الغربي للمدينة على ضفة "وادي حلم" اكتشف خلالها بناء شبه مربع تتوزع به أربع غرف حول فناء في الوسط ويوجد في هذه الغرف أحواض متصلة بأنابيب فخارية. وتبين أن هذه المنشأة ماهي إلا مرفق للاستخدام يجلب له الماء من البئر المجاور ويصب في حوض خارج المبنى ومن ثم تنساب المياه إلى داخل أنابيب فخارية وبعده إلى الحمامات وهي طريقة لم يعرف لها مثيل سابقًا في عُمان.. ويوجد أسفل هذه الحمامات خزانات وربما كانت لها وظيفة لتصريف المياه وذلك لاتصال الخزانات بتلك الغرف عن طريق أنابيب فخارية وتكثر في هذه الخزانات آثار الحرق.
كما رافقت أعمال المسوحات والحفريات على البر أعمال مسوحات تحت البحر للتحقق من أية آثار غارقة تحت الماء وكانت نتائج المسح مبشرة حيث تم التقاط مؤشرات عديدة تدل على وجود آثار غارقة ربما تكون لسفن أو أجزاء خشبية ربما تكون لبقايا سفينة.
كما تم العثور على مجموعة من المراسي الحجرية تحت مياه البحر بالقرب من شاطئ قلهات برهنت على العمق الاستيطاني لموقع مدينة قلهات التاريخية وأهم هذه الأدوات "مرساة " عثر عليها عام 1998م وهي من حجر الكلس ولها ثقب واحد ولا يقل وزنها عن 40 كيلوجراما تقريبا وقد استخدمت هذه النوعية من المراسي خلال الفترة الممتدة بين الألفين الثالث والأول قبل الميلاد.