بقلم: علي المطاعني
أعداد المتقاعدين من الجهات الحكومية والخاصة في تزايد مستمر، ووفق الإحصائيات هناك أكثر من 200 ألف متقاعد من الأجهزة الحكومية وآخرون من القطاعات الأمنية والعسكرية والقطاع الخاص، وتقديرًا لخدماتهم الجليلة التي أسدوها للوطن وقدّموا خلالها زهرة شبابهم بعبيرها وشذاها الفوّاح قربانًا له وليظل أبدًا شامخًا أبيًا عصيًا على الانكسار.
وفي ظل تلك المعطيات فإنّ الوفاء في معناه النبيل يقتضي منّا أنْ نقدّم لهم في المقابل أفضل ما نملكه من مزايا، فجزاء الإحسان هنا هو الإحسان بالنسبة لأصحاب العقائد ونحن في الأصل كذلك.
وفي هذه النقطة تنبري صناديق التقاعد مجتمعة للمسؤولية الأخلاقية الجسيمة، هنا على الوفاء أن يعلن عن نفسه جهارًا نهارًا ليطوّق أعناق هؤلاء الصفوة، نرغب أن نرى المزايا النسبية المقدَّمة لهم حبًا وإعزازًا واضحة تفاصيلها وفيها من الخيرات ما فيها، كحزم التأمين الصحي أو منح مزايا في البنوك أو تخفيض في الفواتير، وتخفيضات في خدمات الكهرباء والمياه، وأفضلية في مواعيد المستشفيات وعروض مُبهرة عند الشراء من الشركات والمحلات، أو قروض ميسّرة من الصناديق ذاتها تخصم من الرواتب إلى غير ذلك من الخدمات، حيث الأبواب مفتوحة لولوج المزيد من الأفكار القادرة على إبقاء الابتسامات مضيئة أبدًا على شفاه هؤلاء الأماجد.
بعض الدول تقدّم خدمات نوعية للمتقاعدين عبر أجهزة التقاعد فتنظر إليه باعتباره موظفًا جديدًا يدخل للتو لمنظومة أخرى ترحّب به أيّما ترحيب وتعمد بوسائلها المبهرة لإدخال المسرّة إلى قلبه وتبلّغه بطريقتها الخاصة بأنّه ما برح شابًا قادرًا على العطاء، وأنّ تُسر إليه همسًا لا جهرًا بأنّ العمر لديها ليس بالسنين فقط بل وبالإحساس، وأنّه سيبقى في قاموسها وناموسها شعلة عطاء لا تنطفئ، ثم تقدّم إليه على أطباق المحبة عروضها التفضيلية كتخفيضات في الإيجارات والفحوصات الطبية الدورية والقروض التفضيلية بشروطها الميسّرة، إضافةً لبطاقات تخفيض من محلات الهايبر ماركت وغيرها من التسهيلات.
غير أنَّ ما نلحظه ميدانيًا هو أنّ صناديق التقاعد لا تُولي أيّ أهمية لسيل الأماني التي أشرنا إليها، فالصناديق حتى الآن تركّز كل الاهتمام الذي تقدّمه للمتقاعدين في تحويل الرواتب التقاعدية نهاية كل شهر ميلادي، دون أن تذهب بعيدًا في التنقيب عن العروض المبهرة لتقديمها إليهم، كما أنّ الآلية الخاصة بتحويل الرواتب من الممكن تطويرها عبر استثمارات ذكية تهدف إلى مضاعفة الراتب التقاعدي اتساقًا مع ارتفاع تكاليف المعيشة المطّرد.
إنّ صناديق التقاعد العاملة في الدولة لديها هياكل إدارية كبيرة وأعداد موظفين يمكن توظيف بعضهم للبحث عن مزايا نسبية للمتقاعدين تُقدّم كحزم يستفيد منها المتقاعد بواسطة البطاقة التقاعدية، بل إنّ صناديق التقاعد البالغ عددها 12 صندوقًا في الدولة يمكن أن تشكّل تكتلاً اقتصاديًا واجتماعيًا قويًا يبحث دومًا عن خدمات ومزايا نسبية مشتركة لدى الكثير من الشركات مثل التأمين والسيارات ومحلات الهايبر ماركت وغيرها وتدخل معها في مفاوضات للحصول على خدمات مخفضة متى رغب المتقاعد شراء بعض المستلزمات؛ وذلك في سبيل تخفيض أعباء المعيشة عليه وتتيح لأسرته الكريمة أن تنعم بحياة مريحة بعيدة عن المنغصات وتقلبات السوق.
كما أنّ هذه الصناديق يمكنها أنْ تدخل في مفاوضات مع البنوك لتسوية أوضاع المتقاعدين وتتوصّل معها لصيغة ما لجدولة قروضهم بدلاً من خصمها بقسوة من مكافآت التقاعد، وحتى يتسنّى لهم الاستفادة بنحو جيّد من المكافآت وتبعد عنهم شبح الاصطدام بالإشكالات المادية التي تنغص عليهم حياتهم الجديدة.
حقيقة إنّ مجالات خدمة المتقاعدين كثيرة ومتعددة ويمكن لصناديق التقاعد لو توحّدت واتفقت على كلمة سواء بينها أنْ تقدّم بالفعل المزيد والفريد لأعز الناس هؤلاء.
بالطبع البعض قد يقلّل من أهمية مثل هذه الخدمات وما تشكّله من فارق وبُعد معنوي عميق الأغوار، غير أنّنا وبحساب بسيط نجد أنّ مردود هذه الأفكار بالغ الأهمية؛ فهي ومن ناحية تكلل أعناق من قدّموا الجهد والعرق للوطن بأكاليل الفخر والعرفان وتدفعهم للاستمرار في العطاء كلٌ من موقعه الجديد؛ فهم أصحاب خبرات لا يُستهان بها والوطن ما برح في أمسّ الحاجة إليهم.
وفي ذات الوقت فإنّ هذه المبادرات تُدخِل الطمأنينة في نفوس الشباب الذين لا يزالون في أعمالهم إذ هم يوقنون بأنّ تقاعدهم القادم لا محالة سيكون رائعًا بناءً على ما شاهدوه لدى آبائهم المعايشين.
نأمل أنْ تعمل صناديق التقاعد على استحداث خدمات إضافية للمتقاعدين والبحث عن مزايا نسبية مُبهرة ولم تخطر على البال بعد؛ فهم وببساطة يستحقون الأفضل.