تحدثت مع المؤسس الشريك لشركة "غرين ستوديوز" اللبنانية، جميل قرباني، ليشرح لي مفصّلاً عن تقنية الزراعة المائية التي طوّرتها الشركة وكيف يتمّ تطبيقها في مختلف العواصم العربية.
عندما أدرك جميل قرباني وشريكه مارك أبي هيلا إمكانيات الزراعة المائية لتحويل المشهد الحضري في الشرق الأوسط، قررا إطلاق "غرين ستوديوز" عام 2010.
حينها، لم يكن العالم العربي قد أدرك تماماً أهمية هذه التقنية في توفير حلول للعديد من المشاكل التي يواجهها مثل شح المياه وتقلص المساحات القابلة للزراعة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الزراعة المائية لا تحتاج إلى التربة أو الأسمدة أو المبيدات لا بل تعتمد على المياه بشكل تام (وليس كميّات كثيرة منها) وتتناسب مع المساحات الصغيرة وتحتاج إلى بعض العناصر الأساسية مثل الأنابيب البلاستيكية والمحاليل الغذائية...
"غرين ستوديوز"، من جهتها، أرادت أن تستغلّ هذه التقنية الزراعية الحديثة لتُطل بواجهات أبنية وأسطح خضراء وسط المدينة؛ لتُصبح شركة تجمع بين التكنولوجيا "الخضراء" والتصميم في بيئات الطقس الحار جداً.
قبل خوض التجربة، لم يكن قرباني بعيداً عن مجال الزراعة هو الذي ولِد وعاش معظم حياته في لبنان ودرس الاقتصاد في باريس وانضم إلى الشركة العائلية المتخصصة بالزراعة ليعمل نحو 10 سنوات فيها. وحتى عندما ترك الشركة للانتقال إلى دبي لبضعة سنوات ظلّ في هذا المجال. وهنا يخبرنا "عُدنا إلى بيروت عام 2009 وأخذت بعض الوقت لإجراء الأبحاث حول التكنولوجيا المتقدمة في مجال الزراعة والزراعة المائية" لتؤول به الظروف إلى إطلاق شركته الخاصة.
فالتقى بصديق الطفولة مارك أبي هيلا الذي كان عمِل على مشروع "حدائق عمودية" واقترح اختبار النموذج في المنطقة. شاءت الظروف أن قرر شريكه البقاء في عمله ليُكمل قرباني الطريق وحده بدراسة العديد من الأنظمة من مختلف أنحاء العالم واختبارها في درجات حرارة مرتفعة تصل إلى 65 درجة مئوية (وهي درجات الحرارة التي تسجّلها الكويت في الصيف) ليكتشف أن كل هذه الأنظمة تفشل في تحمل الحرارة المرتفعة. ويضيف "إذا استخدمت نظاماً عامودياً من أوروبا أو الولايات المتحدة- وهي أكبر اللاعبين في مجال الحدائق العمودية-، لن ينجح في الظروف المناخية الحارة جداً في جدة والرياض ودبي وخاصة في الكويت".
لذلك، بعد أشهر من الأبحاث، ابتكرت "غرين ستوديوز" نظامها الخاص الذي يشرحه لنا قرباني قائلاً "تعتمد تقنيتنا على الإسفنج الذي يحفظ المياه لكل متر مربع أكثر بكثير من أي نظام آخر في العالم". ويتابع "ونظراً لاستخدام الإسفنج، تنمو جذور النباتات بكل الاتجاهات خلافاً لما هو الوضع في الأنظمة المربعة مثل الصناديق حيث تظلّ الجذور فيها" من دون أن ننسى أن ميزة الزراعة المائية هي أنها تسمح بنمو أسرع للجذور.
ويضيف أن إحدى ميزات النظام الذي ابتكره الأخرى هو وجود أجهزة استشعار التي يمكن من خلالها ضبط درجات الحرارة، والرطوبة، ومستوى الفيتامينات، وكمية المياه الضرورية للريّ ما يحوّل الجدران أو أسطح الأبنية إلى مزارع ذكية لُتستعمل في الظروف المناخية الحارة أو الباردة جداً من دون أي تدخل بشري.
الجدير بالذكر أنه يمكن استبدال النباتات بأخرى صالحة للأكل مثل البقدونس والنعناع والريحان. ويخبرنا قرباني أنهم أجروا التجارب في عدد من المواقع وكانت ايجابية معتبراً أن هذه المزارع العمودية ستكون المستقبل.
حدائق عمودية موجودة في العديد من الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وقطر والكويت؛ وهي غالباً ما تغطي الأبنية أو أسطحها.
قد يكون التحدي الأكبر لـ "غرين ستوديوز" وجود المقر الرئيسي في لبنان مما قد يؤدي إلى تعطيل الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد إضافة إلى مشاكل السيولة وعدم الاستقرار... فـ 70% من الزبائن هم خارج لبنان.
الأكيد هو أن كل ما يتعلق بمجال الزراعة المائية قد تغيير في المنطقة اليوم. وهنا يقول قرباني إن "هذا المجال كان، قبل عشر سنوات، مجرد فكرة غربية سمِع عنها الناس هنا. والآن، نرى آلاف المهندسين الذين يدخلون الحدائق العمودية والمزارع الصغيرة إلى المدينة. ليست هذه التقنية ترفاً لا بل حاجة للحصول على الأوكسيجين في نظامنا البيئي".
رغم المشاكل على أنواعها، سواء الاقتصادية منها أو المتعلقة بجائحة كورونا، يعجز قرباني أن يفّكر بالمستقبل من دون الزراعة المائية. ويقول "لا أتصوّر منزلاً من دون حديقة مائية بكل الأحجام. ستلعب الزراعة المائية دوراً كبيراً في حياتنا اليومية لأنها توفر لنا الخضار والفاكهة مع نسبة عالية من الفيتامين وبتكلفة أرخص".
إلا أن ذلك سيحتاج إلى أكثر من جهود الشركات الخاصة لا بل إلى سياسات حكومية تشجع السوق على اعتماد الزراعة البيئية. ويشرح لنا قرباني "نحتاج أنظمة وقوانين في مجال البناء على غرار ما قامت به دبي التي اعتمدت نظام تقييم المباني الخضراء (السعفات) قبل بضعة سنوات. إذا قامت دول أخرى بالمثل، ستتطور الزراعة المائية في السنوات السبعة أو العشرة المقبلة كثيراً".