يواجه عشرات الملايين من اللاجئين والنازحين داخلياً في الشرق الأوسط أزمات إنسانية حقيقية، إذ يعيشون في مساحات ضيقة داخل مخيمات،حيث يكاد يكون من المستحيل تنفيذ التدابير المتبعة لمنع انتشار الفيروس مثل: التباعد الاجتماعي والغسل المتكرر لليدين.
وزادت قيود السفر من تعقيد عمل منظمات الإغاثة ليس فقط بالنسبة للوصول إلى اللاجئين، ولكن أيضا لتزويدهم بالإمدادات الضرورية والمساعدات الطبية اللازمة للحفاظ على سلامتهم، بعدما تسببت الجائحة في تعطيل خطوط الإمداد في مختلف أنحاء العالم.
وفي حين تمثل جائحة كوفيد-19 تحدياً لقدرات المؤسسات الخيرية، تعمل العديد من المنظمات والمتطوعين والعاملين في الخطوط الأمامية على مدار الساعة لمنع الجائحة من إلحاق المزيد من الضرر بالفئات والأشخاص، الذين يعيشون في بيئات غير آمنة وغير مستقرة.
وتأتي اللجنة الدولية للصليب الأحمر من بين هذه المنظمات العاملة في مجال الإغاثة.وفي هذا الصدد، توضح سارا الزوقري المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط أن الأشخاص، الذين يعيشون في مناطق النزاعات الإقليمية المسلحة، سيكونون هم الأكثر تضرراً من تفشي جائحة كوفيد-19.
وتقول سارا: "إنهم معرضون لتفشي المرض بسبب عيشهم في مستوطنات عشوائية وأحياء فقيرة بمناطق مدنية مكتظة بالسكان.وستسوء صحتهم، إذا أُصيبوا بالعدوى بسبب التكدس وسوء التغذية ونقص إجراءات التطهير والنظافة الشخصية وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية المناسبة".
وتضيف سارا: "علاوة على ذلك، سيتأثر النازحون داخلياً بالتداعيات الاقتصادية لإجراءات الإغلاق، و سيكونون عرضة للوصم الاجتماعي، إذا جاءوا من مناطق ذات معدلات إصابة مرتفعة."
وتشير سارا تحديداً إلى سوريا، حيث يوجد أكثر من 6 ملايين نازح وأكثر من 11 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة.
وتوضح سارة قائلة: "نزح مليون شخص مؤخراً إلى مدينة إدلب منذ ديسمبر 2019؛ مما أضاف المزيد إلى أعداد النازحين بالفعل قبل هذا التاريخ. لقد كان الوضع الإنساني كارثياً بالفعل في إدلب، والآن أصبح الوضع مُقلقاً بشكل متزايد مع خطر تفشي فيروس كوفيد-19. فالمخيمات مكتظة بالسكان، وأصبحت احتياجات الرعاية الصحية فوق الطاقة الاستيعابية للمرافق الصحية الموجودة، ناهيك عن أن الالتزام بالنظافة الشخصية المناسبة وتدابير التباعد الاجتماعي تكاد تكون درباً من دروب الرفاهية بالنسبة لهم."
منع تفشي المرض
يوجد على مستوى العالم نحو 25.9 مليون لاجئ بالإضافة إلى 40.3 مليون نازح داخلياً، وذلك وفقاً للأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تحرص على تخزين الأدوية والمعدات الطبية الأساسية مثل: مكثفات الأكسجين، بالإضافة إلى توزيع الصابون على هذه الفئات في جميع أنحاء العالم. ويعيش عدد كبير من هؤلاء اللاجئين والنازحين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تُعَّد –إلى جانب تركيا- موطناً لأكثر من 6 ملايين لاجئ وأكثر من 10 ملايين نازح داخلياً فروا من بلادهم، التي مزقتها الحروب.
وتوضح آن بورتون، رئيسة قسم الصحة العامة بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قائلةً: "منع أو تأخير تفشي المرض، خاصة وسط المجتمعات الأكثر عرضة للخطر، هو أهم شيء يمكن أن نفعله الآن،" مشددةً على أنه "لا يمكن الاستهانة بأهمية الاستعداد"، لأن العديد من اللاجئين يعيشون في دولاً مزدحمة تمتلك أنظمة صحية تُصنف من بين الأكثر تواضعاً على مستوى العالم.
كما حذر ماركوس سكينر كبير مستشاري السياسات في لجنة الإنقاذ الدولية من أن فيروس كورونا ينشط في الأماكن الضيقة، وقد تكون المخاطر مميتة بالنسبة للملايين من النازحين، الذين يعيشون في ظروف سيئة ومناطق تفتقر للخدمات.
ويقول ماركوس: "يفتقر اللاجئون الذين يعيشون في مخيمات مزدحمة للرعاية الصحية المناسبة والمأوى والمياه والصرف الصحي؛ مما يشكل تحديات هائلة أمام الجهود المبذولة لحمايتهم من المرض. وتعمل لجنة الإنقاذ الدولية على تحسين استجابتها كلجنة ضد تفشي الفيروس عالمياً، وخاصةً في هذه المخيمات المكتظة والعمل على التخفيف من انتشاره ومن ثم تخفيف معاناة هذه المجتمعات الأكثر تضرراً".
تسليط الضوء على عدم المساواة
ومن جانبه، يوضح د.عثمان دار، مدير مشروع "وان هيلث بروجيكت" التابع لبرنامج الصحة العالمية في معهد تشاتام هاوس الأمريكي، قائلا:"إننا في مواجهة جائحة عالمية.ومن ثم، نحن أقوياء فقط بقدر روابطنا الضعيفة."
ويضيف د.عثمان: "أظهرت هذه الجائحة بالفعل أن عدم المساواة في المجتمع محرك هام لانتقال العدوى. في جميع أنحاء العالم نجد أن الفيروس ينتشر بصورة أسرع ويؤثر بشكل غير متناسب على الفئات المُهمشة و المحرومة اقتصادياً واجتماعياً".
لذلك، تُعَّد حماية اللاجئين والنازحين داخلياً وتلبية احتياجاتهم الصحية أمراً بالغ الأهمية في إطار الجهود الدولية للسيطرة على هذه الجائحة، الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة الجميع. وما لم يُتخَذ أي إجراء عالمي في هذا الصدد، فمن المحتمل أن يواجه اللاجئون أزمة إنسانية جديدة ذات عواقب وخيمة.
ويضمن العمل المتواصل لمنظمات الإغاثة في جميع أنحاء المنطقة عدم انقطاع عقودٍ من العمل من أجل حماية حياة اللاجئين، وكذلك حماية النازحين من التأثير المُدمر، الذي قد يخلفه فيروس كوفيد-19.