إعداد : نصر البوسعيدي
عُمان هذا الوطن الأم الذي كان ولا زال يحتضن الجميع وتاريخه ممتد منذ آلاف السنين وحدوده الجغرافية التي كانت قبل الاستعمار البريطاني وتقسيم المنطقة تصل إلى قبالة الحدود القطرية من ناحية الخليج وإلى زنجبار وما حولها في القارة الأفريقية.
وقد دون لنا التاريخ ووثق سيرة ذلك الثائر الشمالي من أجل وحدة التراب العماني في العصر الحديث كما يحلو لي تسميته وفق مواقفه التي حفظتها كتاباته الشعرية من تمثل بوحه وتوجهاته الفكرية والسياسية، إنني هنا أتحدث عن سيرة حاكم الشارقة الراحل الشيخ صقر بن سلطان القاسمي الذي كان يعتز كثيرا بمفهوم الوطن العماني الكبير ومتعصبا جدا من أجل وحدة عُمان جغرافيا وسياسيا، رافضا التقسيم البريطاني للمنطقة وبالأخص في عام 1820م حينما تم فصل عمان عن ساحلها الشمالي فعليا والذي عُرف بساحل عمان المتصالح، بتوقيع الحكومة البريطانية معاهدات مع مشايخ إمارات الساحل، والمتمثل اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويعد الشيخ صقر بن سلطان القاسمي المولود في عام 1924م بالشارقة سليل قبيلة القواسم التي هاجرت من العراق واتخذت من شمال عُمان موطنا وتحديدا ناحية جلفار (رأس الخيمة) حسب ما يقوله الراحل نفسه، وكان والده حاكما للشارقة محبا للشعر والشعراء والأدباء، ومنها اكتسب صقر القاسمي موهبته الشعرية والأدبية وميوله السياسية من خلال تلك البيئة التي نشأ بها في كنف عائلته، وحينما أصبح حاكما للشارقة خلفا لوالده في عام 1950م، ضم كلبا وخورفكان وغيرها إلى شؤون إدارته وبدأ يعمل لتطوير إمارته من كل النواحي والتي كان يقول عنها معتزا بها:
لأنك مشهورة جن فيك الرجال وطاف الخيال
وجن بك البحر دفئا وعم الضلال
لأنك من ساحل أرض عُمان وظلال نخيله
فشجع الفلاحين على الزراعة، وطلب المساعدة من مصر والكويت وقطر من أجل المساهمة في تأسيس المدارس والمستشفيات، وكانت البداية الفعلية للتعليم الحديث في الشارقة بدعم حاكم الكويت الشيخ عبدالله بن سالم الصباح في عام 1953م والذي ساهم كثيرا بذلك، ومن بعد ذلك أوفدت قطر ومصر بعض المعلمين والخبرات للمساهمة كذلك في النهوض بقطاع التعليم في الإمارة، لنستنتج هنا بأن الشيخ صقر القاسمي كان يحبذ المساعدات العربية البحتة بعيدا عن التدخلات البريطانية التي كان يناصبها العداء والغضب نتيجة تدخلاتهم في المنطقة وفصل ساحل عمان عن الوطن بالإضافة إلى الصراع الدائر أًصلا في عمان وانقسامها الداخلي بين سلطة السلطان، وسلطة الإمام بعد توقيع معاهدة السيب.
حيث كان يقول في أحد مذكراته موضحا ذلك:
رأيت الذئب بل ابن آوى يصفع تلك الجبهة الغراء الشامخة لليث بعد أن تخلى عن أنيابه وأظافره، وسرت في طريق العودة إلى بيتي والدم يغلي في عروقي واندفعت أردد:
يا عُمان وأنت أعظم شيء يا عُمان عندي ومجلى البصائر
نام عنك البنون يا فخر قحطان فألقيت للردى والمجازر
اسلموا عرشك العظيم فأمسى لقمة يا عُمان في كف كاسر
وحينما نرى هنا هذه الأبيات الشعرية لهذا الثائر الشمالي سنعي تماما كيف كانت وحدة عمان الجغرافية أكبر همه لمواجهة الأطماع والتدخلات البريطانية في المنطقة ما تسبب في معاناته مع الإنجليز.
كما انه يجدد دوما اعتزازه بموطنه الأم عمان ووضع قصيدة في ذلك بعنوان "وطني منبت الكرام عُمان" يقول فيها وهو طالب في المدرسة القاسمية أمام الشيخ سليمان بن حمير النبهاني الذي كان زائرا للطلبة:
فلئن أنكر الجديدان فضلي وتحدتني الليالي ببخس
فسلوها هلا علوت علاها ودهاها عني وهمة نفسي
وسلوا المكرمات هلا اجتبتني ركنها إن دهى الزمان بنحس
وسلوا الخطب هل ألان حصاتي أو تشكيت من عناء وتعس
همه تأنف الهوان وعزم يحسر الطرف عن مداه ويخسي
بلدي الشام والعراق ومصر يمن نجد موطني مع قدس
وطني منب الكرام عُمان وغياث المنكوب من كل بؤس
ولو تناولنا هنا الجانب السياسي القومي في شعر القاسمي سنجده منصبا بشكل كبير نحو الوحدة من أجل عُمان ومقاومة الاستعمار ورفض التدخلات الإنجليزية في المنطقة من خلال النضال الوطني ولو بالكلمة أو المواقف التي يحسب لها المستعمر ألف حساب، حيث يقول هنا وهو يشير باعتزاز لمفهوم الوطن الام عُمان مدافعا عنها محبا لها فخورا بها:
يا ساحل الفتوح يا وطني يا كبرياء الإباء في المحن
يا وطني لبيك كم هتفت باسمك أشعاري أيا وطني
يا ساحل المجد من عُمان وكم كنت له الدرع في دجى المحن
ولقد عبر الشيخ صقر بن سلطان القاسمي عن حزنه الشديد لمؤامرة المستعمر في تقسيم عُمان فيقول:
عُمان وهل لي سامع فأقول فقد هدني بعد الرجاء نكول
وآلمني منك القعود وقد دعا المنادي فهل مس الفخار أفول
فيا حزني إن لم أجدك موحدا إلى المجد تمشي سيدا وتقول
وفي الأبيات القادمة من شعره يدعو قومه جميعا للوحدة تحت الوطن الأم، ويدعوهم لترك المؤامرات والدسائس التي ساهمت في سوء الحال في المنطقة فيقول:
بني وطني خلوا الضغائن بينكم فما الحر للأضغان ويكم بفعال
أيضحك منا كل فرد إذا رأى أخاه يفاجئه الزمان بأهوال
عُمان معي فابك فأنتِ مسامري فقد عز من أشكو وتشكين من حال
ويستمر في البوح بكل حزن وأسى وهو يناجي الوطن عُمان ويتمنى أن يدفن بها وهو يشعر بالوحدة في مواقفه السياسية التي ضحى من أجلها الكثير حينما يقول:
وحدي أعيش الهم وحدي من يحمل الآلام بعدي
ويلاي ما لي أحمل الآلام هل ضيعت رشدي
رباه إن قدرت موتي فاجعلن بعُمان لحدي
وطن بذلت له الحياة رخيصة وتركت ولدي
وهنا نجد أن حاكم الشارقة الشيخ صقر بن سلطان القاسمي يواصل دوما بوحه شعرا معتزا بوطنه وانتمائه إليه وهو يقول:
عُمان العلا تفديك مني مهجة رعيت ولاها حين هانت على القربى
ألستِ الذي أرضعتني من طفولتي هدى وطني واخترت لي مركبا صعبا
ولم يكتف القاسمي بالحديث فقط عن مشكلة عُمان ووحدتها وتعرضها للمطامع الاستعمارية، بل أخذ يتحدث عن همومه ناحية الوطن العربي وما يحدث به من تمزق ويدعو الجميع لمفهوم الوحدة القومية فيقول:
الوحدة الزهراء أنت وحيدها فارفع لمجتاز الطريق منارها
فالشرق أجمعه على أطواره وطني له نفسي جلت أسرارها
إنْ أنَّ في أرض الشآم معذب أنّت له فكأن ذاك أثارها
أو دوهمت صنعا رأيت جوانحي تذكي بحانية الأضالع نارها
ما نجد والأردن إلا مهجة بصميم مصر إذا اشتكت عوارها
أترى عُمان وقد تآلف شملها دول أبانت للعدى مقدارها
نهضت بجامعة تضم شعوبها وتعيد للتاريخ بعد فخارها
ويواصل حاكم الشارقة نضاله ضد المستعمر من أجل وحدة عُمان وهو يرسل أبياته هذه إلى الشيخ محمد بن عبدالله السالمي يعبر فيها عن حزنه لما يحدث في المنطقة من تقسيم استعماري بالوطن الأم:
إلام عُمان والخطوب تنوشه يظل على هذا الشقاق ويخذل
وتنتاشه الأرزاء من كل جانب وليس له من صولة الظلم موئل
أتسبقنا كل الشعوب وقطرنا بما فيه من خير ضعيف أعزل
ويلتف كل الشرق إلا عمانه أبى أن يرى فردا عليه يعول
لم يسلم الشيخ صقر بن سلطان القاسمي من مؤامرات الإنجليز وهو حاكم للشارقة من خلال توجهاته السياسية ونقده اللاذع للمستعمر ولكل حكام المنطقة من سمحوا بهذا التقسيم، مع نقده اللاذع للحكام العرب وتشتتهم ودعوة الشعوب لإسقاطهم، مع مباركته الدائمة للثورات العربية وخاصة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الصهاينة ومباركة كل جهود جمال عبدالناصر من أجل القومية العربية ودعم حراك الصومال ضد الوجود الاستعماري، فتم إلقاء القبض عليه نتيجة مؤامرة خطط لها البريطانيون عام 1964م، فتم خلعه من الحكم ونفيه من الشارقة التي حكمها من بعده مباشرة ابن عمه الشيخ خالد القاسمي ليصبح لاجئا سياسيا في منفاه بمصر يعاني فيها مرارة البعد والإقصاء بعدما كان حاكما، ونرى ذلك يتمثل في شعره ورسائله لشقيقته التي تفتقده كثيرا وهو ويقول لها:
أخية لا يحزنك بعدي فإنما هو الدهر من عسر يسير إلى يسر
بروحي أرضا في عُمان عزيزة فداها وإن لم يوفها بالفدا عمري
فيا شرف اليوم الذي سأريق عن كرامتها ما قد تأجج في صدري
دما عربيا ما بخلت ببذله وما ريق إلا للكرامة والنصر
الجدير بالذكر أن الشيخ صقر القاسمي عاد إلى الشارقة في عام 1972م متخفيا من أجل أن يعود لسدة الحكم، فهاجم قصر الحكم ومعه بعض الجنود، لينتهي هذا الصراع بمقتل ابن عمه خالد حاكم الشارقة حينها، وهنا تدخل جيش اتحاد الإمارات ووجه إليه إنذارا بالاستسلام، قبل أن يتأزم الصراع في الإمارة، فتم إلقاء القبض عليه ومحاكمته بالسجن 8 سنوات، منها 3 سنوات في زنزانة انفرادية، وأكمل بقية محكوميته تحت الإقامة الجبرية، وبعد انقضاء محكوميته خصصت له حكومة أبوظبي قصرا ليقيم فيه في مدينة مصفح، وأخذ بعدها ينتقل بحرية بين الإمارات والقاهرة، حتى انتقل إلى رحمة الله في مصر عام 1993م، وتم مواراته الثرى في إمارة رأس الخيمة، لتنتهي حكاية ثائر شمالي كان جل همه وحدة التراب العماني من خلال اعتزازه بمفهوم الوطن الكبير عُمان ومناصرته للقومية العربية ضد التقسيم والأطماع الاستعمارية في المنطقة.
المرجع: شعر صقر بن سلطان القاسمي دراسة نقدية، عزيزة عبدالله الطائي، الطبعة الأولى 2010م، دار جرير للنشر والتوزيع – الأردن